- محمد عبدالوهاب أفضل مطرب أستمع إليه
- رجعت للأوبرا بعد جلسة مع وزيرة الثقافة وهذه أحدث نجاحات كورال أطفال مصر
بقامته الفارعة وعصاه النحيفة، يقف متوسطا حشدا من العازفين، ليصنع عالمه الذى لا يمكن أن تخرج منه كما دخلته، بالتأكيد ستسقط فى دوامة السحر التى يصنعها العابر المدهش من جبال لبنان إلى جمال القاهرة
سليم سحاب، أحد أبرز صناع الموسيقى وقادة الأوركسترا فى الوطن العربى، لا يتوقف الأمر على قيادته لأبرز الفرق الموسيقية، أو حفلاته العديدة داخل مصر وخارجها، وإنما يتصل إلى دوره الأبوى الكبير ومسيرته الطويلة مع اكتشاف المواهب واحتضانها، وصناعة النجوم وتعهدها بالرعاية والتربية، وبفضل هذا الجهد الكبير وتلك المسارات العديدة المتوازية، خلق سليم سحاب مدرسة فنية واضحة المعالم، وعظيمة الأثر، منذ مجيئه من لبنان إلى مصر فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى، وتأسيسه الفرقة القومية للموسيقى العربية، والآن يُعدّ مشروع كورال أطفال مصر، الذى ضم إليه منتخبا مميزا من الأطفال الموهوبين من أنحاء مصر، رهانه الفنى الجديد، ومشروعه الأكبر، الذى يعلم هو نفسه قبل غيره أنه سيكون بوابته الذهبية لدخول التاريخ، والبقاء فى ذاكرة الفن والفنانين فى مصر لعقود طويلة مقبلة.
«عين» استضافت المايسترو سليم سحاب فى ندوة فنية، تحدث فيها عن مشروعاته الفنية والموسيقية، وسنوات نشاطه الطويلة، وبداياته وتفاصيل رحلته منذ قدومه إلى مصر، والصعوبات التى واجهها خلال تأسيس كورال أطفال مصر، وغيرها من المحطات والنجاحات والأحلام والتطلعات طوال أكثر من 30 سنة، بدأها الفنان ذائع الصيت شابا حالما على طائرة تُحلق من بيروت إلى مطار القاهرة.
فى البداية، كيف جاءتك فكرة إنشاء كورال أطفال مصر؟
- بدأت الفكرة عندما كنت فى زيارة لسلطنة عمان، وتحديدا أوبرا السلطنة، التقيت فى القسم الموسيقى هناك الموسيقار الدكتور عصام الملاح، وحكى لى عن فكرة تكوين أوركسترا من أطفال الشوارع، وعندما عدت لمصر بدأت اختيار الأطفال وتدريبهم، وكانت البداية بثلاثة حروف موسيقية، فى المرحلة الأولى وجدت صعوبة فى إنجاز عملية التدريب، لأن الأطفال الذين اخترناهم للمشاركة لم يكونوا قد سمعوا الموسيقى من قبل، ولا يملكون أى فكرة عنها أو خلفية وتاريخ معها، بدأنا بإعداد برنامج جيد لتأهيلهم بشكل وافٍ ومتكامل، حتى تواصلت مع وزير الشباب والرياضة السابق الدكتور خالد عبدالعزيز، وطرحت فكرة الكورال عليه، فقبلها وتحمّس لها وأعلن تبنّى الوزارة لتنفيذها.
كيف اخترتم الأطفال؟ وما هى الشروط التى حرصتم على توفرها فيهم؟
- بحثت فى عدة محافظات بـأنحاء مصر، من خلال دور الرعاية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى على مستوى الجمهورية. كانت غالبية هذه الدور فى القاهرة للأسف، بسبب صعوبة الانتقال إلى المحافظات الأخرى والبحث فيها بشكل مباشر، وفى المرحلة الأولى اخترنا مجموعة ضخمة من الأطفال الذين لم تكن لديهم أية خلفية فنية أو موسيقية، وشمل الاختيار أطفالا من دور الرعاية الخاصة بالمسيحيين، لنخلق جوا من الألفة والوحدة الوطنية فى هذا الكورال، تحت راية الموسيقى والفن.
بعد ذلك حظينا بدعم كبير من الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، الذى وضع القاعة الكبرى فى الجامعة تحت تصرف الكورال، وبعد ذلك نظّمنا حفلا كبيرا كمحطة انطلاق ونافذة للإعلان عن الكورال، واستمرت وزارة الشباب والرياضة فى دعم الكورال ورعاية أطفاله الموهوبين، حتى أصبحت الفرقة فى الوقت الحالى واحدة من أهم الفرق الفنية للطلائع والناشئين، وتمثل مصر فى عديد من الأحداث الفنية والموسيقية بالخارج.
إلى أى مدى كان التعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى؟
- منذ اللحظة الأولى كانت وزارة التضامن الاجتماعى حاضرة فى المشهد، بالتعاون والمساندة والدعم، ومازالت حتى الآن تشارك بشكل مباشر وقوى فى رعاية الكورال، وإلى جانب هذا وقعنا بروتوكول تعاون بين أكاديمية سليم سحاب للفنون ووزارة الشباب والرياضة، وبعد تدريب الفرقة والوصول بأعضائها إلى مستوى عالمى من الإجادة الفنية، وتمكّنهم من الغناء بلغات عديدة، الإيطالية والفرنسية واللاتينية والعربية والإنجليزية، نستعد فى الفترة المقبلة لإضافة اللغة الروسية إلى قائمة اللغات التى يؤديها أعضاء الكورال، وانطلقنا من مرحلة البداية والأعداد المحدودة إلى التوسع وضم عناصر جديدة، إذ جمعت وزارة الشباب والرياضة مؤخرا قرابة 200 طفل، ليصبح الكورال الآن فريقا ضخما يضم حوالى 500 طفل، بينهم مواهب لامعة ومدهشة من ذوى الاحتياجات الخاصة.
بالتأكيد أثرت فى أطفال الكورال، فهل تأثرت أنت شخصيا بهم؟
- التأثير مُتبادَل، كانت لدىّ فى الكورال حالات من أصحاب القدرات الجبارة، وحالات توحد وتبول لا إرادى وتلعثم، الآن أصبحوا أطفالا طبيعيين للغاية، كثيرون منهم تجاوزوا المشكلات والمحن التى عانوا منها طويلا، وكثيرون آخرون تمكنوا من التغلب على جانب كبير من الصعوبات التى يعانون منها، وإلى جانب هذا أصبحوا فنانين ومبدعين يقدمون تجربة مبتكرة ومدهشة. كانت الموسيقى والحب بالنسبة لهم أفضل من الأطباء النفسيين، وأكثر فاعلية من العلاج التقليدى، وكانوا هم أنفسهم وسيلة دعم روحى ومعنوى للقائمين على الفريق، الموسيقى تلعب دورا مهما فى إعادة بناء شخصية الإنسان، وتخلّصه من الطاقة السلبية، وتستبدل بها الطاقة الإيجابية، وكل هؤلاء الأطفال يشاركون الآن فى الحفلات بإقدام وتحدٍّ وشغف.
الموسيقى تعيد بناء الإنسان.. فماذا عن فضل شاكر؟
- أقول دائما لكل من حولى إن الإنسان المتشبع بالفن، والذى تمتلئ روحه بالموسيقى، لا بدّ من أن يعود لها يوما ما، أنا شخصيا مع عودة فضل شاكر للفن، ونسيان حالة التيه السابقة، لأنه فنان موهوب وصوت متميز وجذّاب.
أسست الفرقة القومية للموسيقى العربية فهل أبعدك الكورال عنها؟
- طبعا بعدت بشكل كبير لمدة ثلاث سنوات من أجل تأسيس كورال أطفال مصر، ولكن عدت مرة أخرى خلال حفل افتتاح مهرجان الموسيقى العربية خلال دورته الأخيرة، بعدما تلقيت دعوة من الدكتورة والصديقة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة، والدكتور مجدى صابر رئيس دار الأوبرا. وبالتأكيد لن أبتعد عن الأوبرا أبدا بشكل نهائى.
ألم تخش انهيار فرقة الموسيقى العربية خلال فترة ابتعادك؟
- عندما تركت الفرقة سلّمتها للقادة الشباب بعد تدريبهم، وفى كل الأحوال كان يجب أن تشهد الفرقة تجديدا للدماء وتسليم القيادة للشباب، حتى تتراكم الخبرات، خاصة أننى انشغلت فى كورال الأطفال، وعدت إليها بعد ذلك باعتبار أن الأوبرا بيتى الكبير، وأنا أحد مؤسسيها، وهى أول أوبرا فى العالم العربى وواحدة من أقوى ثلاث أوبرات عربية، والفرقة نفسها بدأت مع قدومى لمصر فى العام 1988، بعد افتتاح دار الأوبرا بعام واحد، وشاركت بها فى مهرجان بابل بالعراق، وحصلت على الميداليتين الذهبية والفضية بعد أربعين يوما فقط من تأسيس الفرقة، لهذا «عمرى ما هسيب الأوبرا».
حدثنا عن أبرز الأصوات الغنائية التى خرجت من عباءة سليم سحاب؟
- الأمر لا يتوقف على الغناء، وإنما تحضر الموسيقى فى الواجهة كبطل أساسى، ورغم أننى أعتبر الموسيقى وسيلة وليست غاية فى حد ذاتها، فإنك لن تجد أوركسترا واحدة فى العالم العربى تخلو من عازف أو أكثر من فرقة سليم سحاب. أما عن أبرز المطربين الحاليين الذين ارتبطت مشروعاتهم بالفرقة، ففى مقدمتهم شيرين عبدالوهاب، وتامر حسنى، وريهام عبدالحكيم، ومى فاروق، وآمال ماهر، وأحمد سعد، وأحمد جمال، وشيرى عادل. وأحدثهم ابنتى سارة سحاب، التى تغنى منذ كانت فى السادسة من عمرها، والآن أُعلّمها وأدربها، وبالفعل شاركت معى مؤخرا فى حفل فنى بلبنان ضمن كورال أطفال مصر، وأحدث الحفل صدى كبيرًا فى الأوساط الفنية اللبنانية.
كيف كانت بداية شيرين عبدالوهاب باعتبارك أول من قدمها للساحة؟
- شيرين حبيبة قلبى وُلدت مطربة، هى فنانة بالفطرة، وتملك صوتا قويا ومتميزا للغاية، وبدأت رحلتها معى قبل سنوات بعيدة من خلال أوركسترا أطفال مصر، وأدت وقتها أغنية «ست الحبايب» فى أول ظهور لها، بعدها غنّت معى الأغنية فى إحدى حفلاتها بسلطنة عمان وكانت قد كبرت قليلا، ثم فوجئت بها تظهر ظهورا مدويا بأغنية «آه يا ليل» مع نصر محروس.
سليم سحاب يميل لسماع مَن من مطربى الزمن الجميل؟
- محمد عبدالوهاب الأعظم فى الصوت والأداء الموسيقى، وهو من أسّس مدرسة خاصة فى الموسيقى، ولا يمكن أن تجد لحنا له يشبه الآخر، أو جملة موسيقية تشبه جملة أخرى حتى على مستوى الأغنية الواحدة، ومن النساء أسمهان التى لم أسمع صوتا مثل صوتها.
حدّثنا عن لقائك بمحافظ بنى سويف بشأن الفرقة التى تؤسسها بالمحافظة.
- منذ مجيئى لمصر فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى أطالب بتحرير الأنشطة والفنون، وإلغاء المركزية، ومن منطلق هذا الانحياز أسعى دائما إلى دعم وتعزيز أية جهود لإطلاق الفنون والإبداع فى كل المحافظات، بحيث تملك كل محافظة فرقة موسيقية خاصة بها، وفى ضوء هذا التوجه جاء لقائى بمحافظ بنى سويف، بهدف تعزيز العمل على إبراز المواهب الفنية من أبناء المحافظة، وإظهارها من خلال أكاديمية سليم سحاب للثقافة والفنون بجامعة النهضة، واتفقت مع المحافظ بالفعل على تأسيس فرقة من أبناء بنى سويف وشبابها.
إذا عدنا فى الزمن.. كيف كانت بداية سليم سحاب الفنية؟
- درست الموسيقى فى كونسرفتوار بيروت، ومنذ طفولتى المبكرة كنت أحب الموسيقى العربية وأميل إلى سماعها، والأمر يرتبط بالنشأة والأسرة، إذ لم تنقطع الموسيقى العربية من منزلنا إلا فى أثناء النوم، وكنت أحب أم كلثوم، وفايزة أحمد وعبدالوهاب وأسمهان وعبدالحليم حافظ حبا كبيرا، وقتها كانت الإذاعة العربية تحولنى من مجرد مستمع إلى طالب موسيقى فى معهد، حتى أننى حفظت قصيدة الكرنك لـ«عبدالوهاب» بأكملها وأنا فى العاشرة من عمرى، وتوازى مع هذا الاهتمام دراستى واطلاعى على الموسيقى الغربية.
وماذا عن التعاون مع أوركسترا وزارة الشباب والرياضة؟
- وزارة الشباب والرياضة تبذل جهودا كبيرة على صعيد اكتشاف المواهب واحتضانها ودعمها ماديا ومعنويا، وأوركسترا الوزارة يضم مواهب حقيقية، وأتمنى أن يصبح الفرقة الرسمية لمصر فى كل الفعاليات والمحافل المحلية والدولية، ومع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل الاحتفالات والمناسبات الرسمية. ما تنجزه الوزارة فى هذا الصعيد يستحق الدعم والتشجيع، وشكر الدكتورة أمل جمال وكيل الوزارة و«دينامو» المشروع، التى ألقبها بالمرأة التى لا تعرف المستحيل، وهى من اقترحت تدريب الأوركسترا حتى يصل للاحتراف وينافس فى أنحاء العالم، وبالفعل هناك 10 من أبناء أوركسترا الشباب والرياضة اشتركوا معى فى الدورة الأخيرة لمهرجان الموسيقى العربية.
كيف كانت مشاركتك بالتحكيم فى مهرجان الموسيقى والغناء للشباب العربى؟
- أعجبتنى فكرة المهرجان الذى يمثل أحد وجوه الوحدة العربية، وسعدت بالمشاركة فيه. فأنا «وحدوى» وأنحاز بحكم الاتجاه السياسى إلى أفكار وجهود تحقيق الوحدة العربية، وأعتقد أن مصر وحدها تستطيع احتضان كل الفنون العربية وتنظيم المهرجانات الشاملة على أرضها، أما عن تفاصيل المهرجان فقد كانت مشاركة المملكة العربية السعودية مفاجأة لنا، إذ رأينا انفتاحا ثقافيا وحضاريا جميلا، وأتمنى أن تستمر المملكة فى هذا الاتجاه.
حدثنا عن ذكرياتك مع كبار المطربين؟
- جمعتنى صداقة قوية بمحمد عبدالوهاب وكمال الطويل ومحمد النوبى وسيد مكاوى. والأخير زرته فى منزله 4 مرات بصحبة بليغ حمدى.
ما هى أحلام المايسترو سليم سحاب للفن والموسيقى العربية؟
- أحلم بانتشار الموسيقى العربية فى أنحاء العالم، كما انتشرت الموسيقى الأوروبية، وأن تصبح بنفس الفكر والذوق والرقى الذى تحمله الموسيقى فى أوروبا، حتى يعرفها العالم ويستمتع بها، ويتعرف من خلالها على الثقافة والتاريخ العربيين.
اذكر لنا موقفا أحرج المايسترو سليم سحاب على المسرح؟
- أنا شخص يحب الهدوء، وأنزعج جدا من الضوضاء أو الجلبة والفوضى على خشبة المسرح. وفى إحدى المرات انسحبت من المسرح بسبب ارتفاع الصوت، لكننى عدت بعد قليل لاستكمال الحفل، ودائما أطالب العازفين والمشاركين فى الحفلات بالهدوء والصمت واحترام الجمهور الذى يحب الفن ويريد الاستماع للموسيقى والاستمتاع بها.
فى النهاية.. ماذا عن مشروعاتك الموسيقية خلال الفترة المقبلة؟
- أواصل العمل على شىء جديد ومختلف لتقديمه فى أعياد الكريسماس، من تفاصيله إنجاز خليط متجانس من الموسيقى الطقسية المرتبطة بالإسلام والمسيحية، من خلال مزج روح الإنشاد الدينى بأجواء الترانيم وأغنيات الميلاد، وأُنفذ هذا المشروع مع طلاب جامعة النهضة فى بنى سويف، سعيا لاكتشاف المشترك العظيم بين أبناء هذا البلد، وتعميق حالة الوحدة الوطنية التى تميز المجتمع المصرى.