"ليه يا بنفسج زهرك بيبهج وانت حزين" إحدى أكثر روائع المواويل انتشارا حتى وقتنا الحالي، رغم مرور 80 عاما على غنائها وهي لمطرب الملوك صالح عبدالحي الذي يصادف اليوم 3 من مايو ذكرى رحيله عام 1962.
ولـ"مايو" علامات فارقة في حياة صالح فإنطلق صوت ملك المواويل، بتاريخ مصر في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، صالح عبدالحي، بعدما قدمه الإذاعي الراحل محمد فتحي والملقب بـ(كروان الإذاعة) وهو يغني على الهواء مباشرة رائعة محمد عثمان "ياما انت واحشني".
وكما شهد "مايو" إنطلاقته في الإذاعة المصرية في 31 مايو من عام 1934 حيث انطلقت أول إذاعة رسمية عربية وبدأ تقديم أول وصلة غنائية لأول مطرب عربي استمع الناس إلى صوته عبر هذه الإذاعة المصرية الجديدة في ذلك الوقت. شهد أيضا الشهر ذاته وفاته.
ولد صالح عبدالجواد خليل في حي (الحنفي) في 16 أغسطس من عام 1898 في نفس العام الذي ولد فيه الموسيقار محمد عبدالوهاب. تربى صالح أفندي في عائلة موسيقية، والدته هي شقيقة المطرب والصييت المعروف عبدالحي حلمي الذي كان يلتقي أقرانه من أهل المغنى في بيت العائلة الذي وُلد وعاش فيه صالح ما أهله للتدريب على حفظ ألحان خاله.
ورث صالح الموهبة من خاله وردد وحفظ أغانيه وعندما كبر اختار اسم خاله ليكون لقبًا فنيًا له بعدما احترف الغناء بتشجيع من عازف العود "علي الرشيدي" الذي قدمه لجلسات الطرب في قصور الأمراء والوجهاء كما درّبه على حفظ لحن الدورالمعروف (ياما انت واحشني) الذي وضعه رائد تلحين الدور محمد عثمان.
حرص صالح عبدالحي على تسجيل أسطواناته التي غنى فيها لعبده الحامولي وسلامة حجازي ومحمد عثمان وعبدالحي حلمي، ما أهله ليرتبط اسمه بلقب أمير الطرب ثم ملك الطرب وبهذه الألقاب وتلك النشاطات سبق صالح عبدالحي ابن جيله محمد عبدالوهاب في المجال الذي أخلص له وهو إحياء ليالي وجهاء المجتمع وعلية القوم وهو ما أتى له بعد ذلك بأحد أشهر ألقابه مطرب الصالونات ومغنى الملوك والأمراء.
لم يتزوج صالح عبد الحي ولم ينجب، وعاش حياته للغناء فقط. كان من أقرب أصدقاؤه شاعر النيل حافظ إبراهيم وأمير الشعراء أحمد شوقي وكبير ظرفاء عصره الشيخ عبدالعزيز البشري ومن نجوم العدالة والقضاء محمود غالب باشا وزير العدل الحقانية وراغب عطية بك.
ورغم نجاحه غنائيا إلا أن السينما لم تُقبل عليه وظهر في عمل وحيد عندما اسند له المخرج هنري بركات بطولة فيلم (الشريد) أمام زكي رستم وحسين رياض في عام 1942 وهو الفيلم رقم 132 في سجل أعمال السينما العربية في مصر، كما ظهر مغنيا فقط في فيلم البؤساء من إخراج كمال سالم عام 1943.
وكان ظهور عبدالحي الثاني عبر الشاشة كان من خلال التليفزيون العربي عندما قرر التلفزيون العربي في زمن الوحدة بين مصر وسورية أن يسجل للمطرب القدير بعضًا من روائعه بعدما أقعده المرض خلال سنوات الخمسينيات. غنى "سي صالح" في هذا التسجيل التلفزيوني النادر الذي سبق رحيله عن الحياة بفترة قصيرة واحدًا من أشهر أعماله وهو (ليه يا بنفسج) كما غنى أيضًا من تراث الغناء البديع "لما انكويت بالنار فرح العزول فيّه".
وكما لكل مبدع هفوات جنون فإن صالح عبد الحي لم يكن مختلفا بل بدا مثل خاله مزاجيّ الطّبع بوهيميّا، كثير الإنفاق، محبّا للخمر والملذّات؛ وكان يتفنّن في معالجة النّصّ تقطيعا وتعديلا وغنائه بأسلوب عُصابيّ؛ وقد عنّ له خلال أدائه لإحدى القصائد أن يكسر الجوّ الّذي أشاعه من خلال تلاعبه بكلمات القصيدة مُشفٍعا كلمة “المُدام” بعبارة “يا مَدامْ” كأنّه يخاطب سيّدة أوروبيّة من أصحاب الخمّارات الكثيرة الّتي كانت تَعمُر وسط القاهرة والّتي عُرف فيها بسكره الفاحش؛ وفي حادثة أخرى ختم صالح عبد الحي إحدى قصائده مضيفا في خبث عبارة “يا سارق” مخاطبا بذلك شركة جراموفون متّهما إيّاها بأنّها لم توفّه حقّه من المال؛ ولم يَشِ به أيّ عازف من العازفين، فطُبِعَ التّسجيل على حاله وضَحكت مصر بأسرها من الشّركة الإنجليزيّة.
كان صالح عبد الحي قويا، وحلو الصوت، فظل الفارس الفرد في الغناء التقليدي حي قبل رحيه في أوائل الستينات، وكان يغني يدون مكبر للصوت في الأماكن المفتوحة أو المغلقة، والسرادقات، حتى إذا ما ظهرت الإذاعات الأهلية، وبعدها إذاعة الدولة، فكانت فرحة كبيرة لمحبي فن صالح لكي يستمعوا إلى غنائه الذي لا يبارى، وظل هو الحارس الأمين لألحان عبد الرحيم المسلوب وعبده الحامولي ومحمد عثمان وأبو العلا محمد وغيرهم من أساطين التلحين والغناء.
ساهم صالح عبد الحي في مجال المسرح الغنائي. فعندما اختلفت منيرة المهدية مع محمد عبد الوهاب عام 1927 أثناء تقديمها للمسرحية الغنائية "كليوبترا ومارك أنطوان"، دعت منيرة صالح عبد الحي لكي يقوم بدور انطونيو. وبعد هذه التجربة، ألف فرقة مسرحية غنائية باسمه عام 1929، ولحن له زكريا أحمد ومحمد القصبجي، ولكن كان المسرح الغنائي قد أفل نجمه. وبدت الأزمة الاقتصادية العالمية تؤثر على الاقتصاد المصري، فتدهور المسرح الغنائي وحلت فرقة صالح عبد الحي المسرحية.