علاقة خارج نطاق الزمن والمكان، كانت فيروز هى عاصى وعاصى هو فيروز، بحسب ما أكد المقربون من الثنائى الفنى الغنائى الذى أمتع الجمهور بعشرات الأغانى، من حنجرة فيروز.
"لا رجل له دمعة بجمال دمعة عاصى" هكذا قالت فيروز عن زوجها الأسبق، عاصى الرحبانى والذى تحل اليوم 4 من مايو ذكرى ميلاده عام 1923، إلا أن خلف ستار الحب والرومانسية التى أمطرت العاشقين، هناك سحب ضبابية من القسوة والديكتاتورية بطلها عاصى وشهد عليها المقربون منهما.
فى أحد الحوارات النادرة التى أطلت بها فيروز صحفيا، نشر الحوار فى جريدة "الوسط" عام 1992، تحدثت فيروز عن علاقتها بعاصى والتى لا تزال حتى اليوم ترى أنه فنان عظيم عظيم امتلك موهبة ونفسية طيبة مفتوحة كالكف الأبيض ولا حدود لعطائها لكنها وهى التى اختبرت عاصى الإنسان كما الفنان وتدرك فى الوقت نفسه أن عاصى كان ديكتاتورياً فى الفن دائماً.
مضيفة: "هناك قرار يجب أن يأخذه أحد، وهذا الأحد كان دائماً عاصى. دائماً كان هناك الكلمة الأخيرة فى النص الغنائى والموسيقى والمسرحى والإخراجى. هذه الكلمة الأخيرة كانت دائماً لعاصى. كان المؤلف فى أغلب الأحيان وكان المقرر فى كل الأحيان. سلطته لا يتجرأ أحد على أن يعترضها".
أوساط عديدة تحدثت عن قسوة عاصى فى التعامل مع فيروز أثناء التدريبات وفى الكواليس، كثيراً ما كانت تؤدى إلى مواقف عنيفة. إلا أن فيروز ترى أن "طبيعة العمل كانت تفرض قسوة، وعلى الجميع كان يمارسها" وأضافت فى حوارها: "قد أكون أنا وعاصى على خلاف قوى فى الكواليس إلا أنه عندما أخرج إلى المسرح وأبدأ بالغناء يتحول عاصى إلى عاشق".
شهادة أخرى فى عاصى الرحبانى ذكرها عصام محفوظ فى مقال له: عاصى الرحبانى "سيد الدراوشة" فى (كتابه ماذا يبقى منهم للتاريخ، دار رياض الريس، بيروت 2000). يرى محفوظ أن الفن الرحبانى تجسّد بشكل خاص فى صوت فيروز، كما أن اللمسة الأخيرة للصياغة كانت من اختصاص عاصي، وصارت بعد مرضه لمنصور، أما السبب فى ذلك فيرده إلى كون عاصى هو الأكبر وبالتالى فقد تسلم دفة القيادة، مشيراً إلى أن حساسية الأخوين تجاه الأشياء وتجاه العالم كانت واحدة، وقد ساهمت فى تلازمهما، وساهم تلازمهما توحيداً وتطويراً فى وحدتهما. ويتحدث عن هيمنة واضحة لعاصى على المجموعة، وهذه الهيمنة كانت تتحول فى لحظات التنفيذ إلى شبه ديكتاتورية مطلقة تبدو أحياناً قاسية، لكنها القسوة الضرورية للانضباط.
أحد المقربين من فيروز ذكر أيضا فى حوار لصحيفة "الشرق الأوسط" أن فيروز كانت شخصية مزاجية ولها طبع قاس. ليست سهلة المراس، لكنها كانت صبورة وطيعة جدا مع زوجها عاصى، خاصة حين يتعلق الأمر بالعمل والغناء. هنا كانت فيروز تسلس قيادتها للرجل الذى عمل على نحت موهبتها، وجعل منها أيقونة فى أعين جمهورها، ليس فقط بالعمل على الصوت والأداء، ولكن بتحديد كيفية ظهورها، ومتى تتكلم أو تحتجب.
وأضاف "لم يكن ذلك يتم بتعمدٍ من عاصي ولكن بطريقة عفوية، فهو كان المسئول عن كل شيء، وصناعة تلك النجمة كان يقع على عاتقه، ووصف عاصي أنه "شخصية صعبة ومولعة بإتقان التفاصيل. لذلك فكل الذين يعملون معه، ومنهم فيروز، كان عليهم تحمله. لكن على فيروز كان يقع العبء الأكبر، لأنها النجمة الأولى في الأعمال التى كان يقدمها الأخوان رحبانى. ومن هنا جاءت قسوته معها".