قانون الجذب الفنى
جمهور الفيس بوك ووجبات مواقع التواصل الاجتماعى السريعة التى تقدم فكرتها فى دقائق وto the point سواء من خلال فيديو أو منشور مكتوب، هو نفسه جمهور أفلام ال Netflix وغيره من مواقع مشاهدة الأفلام المنتشرة على الإنترنت التى تقدم أعمال فنية ذات ثقل سواء من ناحية الفكرة والتسلسل الدرامى المُحكم فى الأفلام الرومانسية والدراما أو من ناحية التصوير المُبهر فى أفلام الإثارة والتشويق أو المؤثرات البصرية والصوتية فى أفلام الخيال العلمى والرعب أو من ناحية الأداء التمثيلى المقترن بكل نوعيات الأعمال الفنية المُشار إليها،تلك الأعمال –أغلبها وليس كلها- إن اتفقت على شىء فهى تتفق على جذب المتلقى من الدقيقة الأولى وتجبره على متابعة العمل الفنى بنَهَم ومعايشة كاملة دون أن يبرح مكانه أو ينشغل عنها بأى شىء آخر، وتلك الميزة الأهم للأعمال الفنية الأجنبية التى أدمنها الجمهور المصرى، الجمهور الذى أصبح من الصعب إرضاؤه أو إشباع رغبته فى الاستمتاع بعمل فنى قوى متكامل ومختلف يضاهى تلك الأعمال الأجنبية ويسوقه إلى قاعات العرض السينمائية ليختار بكامل إرادته أن يشاهد فيلما مصريا وليس أجنبيا، وما زاد من صعوبة ذلك عدم قدرة الأفلام المصرية –لأسباب فنية أو مادية – أن تربح فى مقارنة بسيطة مع أى من الأفلام الآخرى –إلا من رحم ربى – وأكبر دليل على ذلك أن موسم أفلام نصف العام قدم أنواع مختلفة من الأفلام مما يرضى معظم أذواق الجمهور فمنها الكوميدى المُعتمد على شخصية ارتبطنا بها لسنوات طويلة أو الكوميدى الممزوج بالتراجيديا ومنها ما يناقش فكرة جادة تشغل قطاع ليس بقليل من مجتمعنا ومنها الإثارة والمطاردة على غرار الأفلام الأجنبية، ولكن يبقى السؤال هل استطاع أى منهم أن يجذب الجمهور حقا ويترك بصمته عليه، ذلك ما سنطرحه..
1-فيلم الضيف
فيلم الضيف هو عبارة عن مناظرة دينية واجتماعية بين مفكر تنويرى مُتهم بازدراء الأديان ومتطرف دينى وإرهابى، مناظرة تفتح النقاش حول موضوعات مثل الحجاب والعنصرية الدينية ولمن أصل الحضارة الشرق أم الغرب،مناقشة تصلح لبرنامج تليفزيونى يقدم الرأى والرأى الآخر وعرض الأفكار وتحليلها بنوع من المباشرة، لكن تقديمه فى هيئة فيلم سينمائى من المفترض أنه يعتمد على اللغة البصرية فقد جانبه الصواب، ذلك العمل الفنى ما هو إلا تكثيف فكرى تخرج منه مُجهد ذهنيا غير مشبع فنيا رغم الأداء التمثيلى القوى ل"أحمد مالك" فى دور المتطرف الدينى ومحاولة التأثير على المتلقى بأداء "خالد الصاوى "–المفتعل فى بعض المشاهد- فى دور المفكر التنويرى، إلى جانب محاولة مدير التصوير "مازن المتجول "كسر حالة الملل باستخدام أكثر من حركة للكاميرا منها حركة استعراضية يستهل بها الفيلم بتصوير نظارة وكتاب البطل د.يحيى التيجانى للتعريف به،بالإضافة إلى محاولة المخرج هادى الباجورى إضفاء روح للعمل وكسر رتابة الأحداث المعتمدة على موقف واحد -استقبال د.يحيى التيجانى لخطيب ابنته المرتقب- وذلك بوصول خال الابنة –ماجد الكدوانى -إلى منزلهم فى مشهد لم يضف للعمل شيئا وأيضا مشهد وصول الضابط للاطمئنان على أمن المفكر التنويرى المُهدد بالقتل والذى لم يضف فيه محمد ممدوح شيئا أيضا للعمل الفنى الذى فشل فى تحقيق المعايشة مع الجمهور ولم يُشبعه فنيا، فمن منا يريد أن يشاهد فيلما يشبه برامج التوك شو تلك النوعية من البرامج التى يهرب منها المتلقى ليستمتع بمشاهدة فيلما يعزله عن مشاكله ويُغذيه فنيا!
2-فيلم 122
أشهد لصناع فيلم 122 بالذكاء فى تسويقه فقد استعانوا بعنصرين للترويج له وهما أنه أول فيلم رعب مصرى وهو فى حقيقته فيلم مطاردة قائم على الإثارة والتشويق والعنصر الثانى هو جمع عدد من الوجوه الفنية المحبوبة لدى المتلقين فى فيلم واحد بصرف النظر عن كونهم أبطال العمل أو مجرد ظهور خاص فى مشهد أو اثنين، ذلك الترويج نجح فى جذب الجمهور لمشاهدة الفيلم فى قاعة العرض السينمائى انتظارا منهم أن يشاهدوا عملا فنيا قويا مبهرا ينافس أفلام الرعب والإثارة الأجنبية، لكن إذا حللنا ذلك العمل الفنى فى نقاط فنجد أنه فيلم جديد على الساحة السينمائية المصرية وأعتبره صفحة جديدة فى نوعية أفلام الإثارة والتشويق النابعة من المطاردة خاصة عندما تنحصر أحداثه فى مكان واحد وليلة واحدة، لكنه ليس فيلم رعب بأى شكل من الأشكال كما لم أجد مبررا لمشاركة بعض النجوم به مثل محمد ممدوح الذى ظهر فى مشهد واحد من السهل أن يؤديه أى ممثل مبتدئ.
مما لا شك فيه أن أبطال فيلم 122 قدموا أداءً تمثيليا قويا يناسب أفلام التشويق التى تعتمد فى الأساس على ثلاثة عناصر هامة، أولهم الأداء التمثيلى الذى يتضمن تعبيرات الجسد والوجه ولغة العيون خاصة أن بطلة العمل "أمينه خليل" أدت دور فتاه من الصم والبكم فهى لا تتحدث إلا نادرا فيعتمد أداؤها على تعبيرات الوجه والعيون مع استخدام لغة الإشارة التى استخدمها أيضا "أحمد داوود" –فى دور زوجها – أثناء التعامل معها إلى جانب عدم استطاعته الكلام معظم مشاهده أو يخرج حرفا من فمه حتى يستطيع الهرب ممن يحاولون الوصول إليه وقتله،ثانى تلك العناصر حركة الكاميرا وكادرات التصوير التى تُضفى الإثارة وتُضيف لحالة المشاهد المعتمدة على المطاردة، ثالث تلك العناصر الموسيقى التصويرية التى تُعتبر تأكيدا لحالة كل مشهد من توتر أو ترقب أو تصاعد للأحداث، لكن التساؤل هنا يكمن فى قدرة ذلك العمل الفنى على منافسة الأعمال الأجنبية الشبيهة والتى يذهب إليها فقط المتلقى الذى حجز تذكرته لمشاهدة فيلم 122، فالمقارنة هنا حتمية لا مفر منها،تُرى من ستربح كفته!
3-فيلم ساعة رضا
انطلاقا من المثل القائل بـ"اللى تغلب به العب به" فالسينما المصرية تغلب أى سينما أخرى بالكوميديا التى تقدمها والتى تعتبر أهم وأول سبب لجذب الجمهور المصرى لأى فيلم فى السينما خاصة فى موسم منتصف العام أى بعد فترة توتر وضغط الامتحانات ولذلك نجد ثلاث أفلام كوميدية يتنافسون فى ذلك الموسم ومنهم "ساعة رضا" الذى قدم الفانتازيا فى شكل كوميدى اعتمد فيه على أكثر من ممثل كوميدى منهم أحمد فتحى ومحمد ثروت وإسلام إبراهيم إلى جانب تقديم ممثلين آخرين للكوميديا مثل طارق صبرى، وبالإضافة إلى الكوميديا فقد تخلل الفيلم تراجيديا من خلال عرض وتجسيد حالة إنسانية تمس كثير منا فتجد فيها نفسك أو أخيك أو صديقك أو جارك وذلك الامتزاج العاطفى يحقق معايشة المتلقى للعمل الفنى، كما يؤكد ذلك العمل الفنى على قيمة "لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع" فهنا نحن أمام فيلم كوميدى هادف، إلا أن وقع صُناع فيلم ساعة رضا فى أكثر من خطأ، فقد تم كسر عنصرى الزمان والمكان أكثر من مرة بشكل مبالغ فيه مع تكرار نفس الحدث فخلق حالة الملل عند المتلقى وذلك من خلال التنقل المتكرر الزائد عن الحد بين الماضى والحاضر والمستقبل، كما جانب مونتير العمل الصواب فى كثير من المشاهد فجاء القطع بين المشاهد حاد يفصل اندماج المتلقى مع الأحداث، وبشكل عام ذلك العمل الفنى كوميدى يرسم الإبتسامة على وجه المتلقى لكن ما يتضمنه من تراجيديا يجعلنا نتساءل لأنه سلاح ذو حدين، فمن يريد أن يُرفه عن نفسه بفيلم كوميدى سوف يخرج من قاعة العرض متأثرا بالتراجيديا والحالة الإنسانية التى يحاكيها، فهل سنحب حقا أن نشاهد فيلم كوميدى يُبكينا ويرجع بنا لأرض الواقع الذى نهرب منه بالضحك خلال ساعات عرض أى فيلم كوميدى!
4-فيلم "قرمط بيتمرمط"
يعتبر ذلك العمل الفنى مثال حى للإصرار على تكرار خطأ فادح يقع فيه صناع أى عمل فنى ناجح مرتبط بشخصية جذبت قطاعا كبيرا من الجمهور لسنوات طويلة، حيث جاء الاعتماد الكلى فى فيلم "قرمط بيتمرمط" على نجاح شخصية القرموطى وتعلق الجمهور بها دون استغلال الشخصية لتجسيد مشاكل المجتمع الحالية وتجسيد صدمة القرموطى للتغييرات الكثيرة التى طرأت على المجتمع من خلال مشاهد تقدم كوميديا الموقف، فذلك هو الفشل بعينه، فشل أن أصر على تقديم إفيهات مكررة وحوار ساذج ومواقف أكثر سذاجة تجبرك أن تردد المقولة الشهيرة "المخرج عايز كده" وفى النهاية أنتظر نجاح وبصمة جديدة تتركها تلك الشخصية، فباختصار تعلقى كمتلقى بشخصية القرموطى لن يشفع لكل ذلك فمن منا سينجذب لعمل فنى يُشبه "الأكلة البايتة" التى لا طعم لها!
5-فيلم "نادى الرجال السرى"
دويتو "كريم عبد العزيز" و"غادة عادل" يذكرك بفيلم نعشقه جميعا "الباشا تلميذ" أما دويتو "كريم عبد العزيز" و"ماجد الكدوانى" يذكرك بفيلم آخر نشاهده كل مرة يعرض على التلفاز ولا تمل منه "حرامية فى كى جى 2"، حالة من النوستالجيا – الحنين للماضى – تنتابك أثناء مشاهدتك لفيلم "نادى الرجال السرى" الذى يجمع الثنائيين، فهو فيلم كوميدى يعتمد كل الاعتماد على كوميديا الموقف وهو أقرب أنواع الكوميديا للجمهور المصرى الذى أعتبره "من الصعب إضحاكه" وليس العكس، ناهيك عن فكرة الفيلم –مسروقة كانت أم لا – فهى فكرة تم تطعيمها بالكوميديا المصرية خاصة كوّن فكرة "حيرم" و"الفوطة السخنة" الفكرة الأساسية للعمل يتم تداولها إلى الآن على لسان الجمهور سواء على مواقع التواصل الاجتماعى أو فى الحياة العادية وذلك يعتبر نجاح كبير للعمل الفنى فقد استطاع أن يؤثر ويترك بصمته حتى وإن أصابته آفة التطويل فى بعض أحداثه، فعودة كريم عبدالعزيز بعد غياب سنوات لتلك النوعية من الأفلام يغفر له عند عشاقه أى خطأ.
لذلك يمكن اعتبار فيلم "نادى الرجال السرى" أكثر الأفلام المناسبة لموسم منتصف العام وللذوق المصرى وكما ذكرنا أن كَفَتَه تغلب بما تجيده صناعة الأفلام المصرية وهو تقديم الكوميديا وبها تستطيع المنافسة أمام اى عمل فنى عربى أو أجنبى كما تستطيع التأثير به على المتلقى مهما كان ذوقه.