"مر أعرابى على قوم"، يكفى أن تكتب هذه الكلمات على مواقع التواصل الاجتماعى، لتجد سيلاً كبيرًا من التدوينات المثيرة للضحك، التى تتندر أو تسخر من مرور الأعرابى على قوم ما، ثم يسألهم عن شىء ما، ويرحل، وكأن كتب التراث، لم يكن لديها ما يشغلها لتدونه فى كتبها، إلا مرور الأعرابى على قوم ما.
تعد كتب نوادر العرب، التى ورد فيها مرور الأعرابى على قوم ما، من أهم كتب اللغة، إذ تعكس هذه الكتب لغة البادية، من حيث ألفاظها، وعباراتها وشواهدها وقتئذ، الأمر الذى يجعلها بمثابة مرآة للدارس أو المطلع عليها، ما يعنى أن الهدف من تدوينها هو أكبر من ذلك بكثير.
نوادر الأعرابى، أو العرب، بدأ تأليفها فى القرن الثانى الهجرى ومطلع القرن الثالث، وتأتى أهميتها فيما مثلته من استكمال للحلقة الناقصة فى جمع اللغة، وتسجيلها، واستخلاص قواعد النحو، وشواهده، لتستكمل ما فات النحاة من جوانب، ولتبرز أيضًا، ما يوصف بالظواهر الشاذة عن قواعد اللغة العامة، التى تم تسجيلها، وهو ما يعرفه أغلب الدارسون المتخصصون فى اللغة العربية.
كثيرة هى الكتب التى تناولت نوادر العرب، من حيث التحقيق، والجمع، مثل كتاب العقد الفريد، والتى نعرف منها الوجه الحقيقى للأعرابى، الذى مر على قوم فسألهم، أو سألوه، فتعلموا منه، وكذلك التى جمعت هذه المواقف، والتى تنتشر أغلبها على العديد من المواقع الإلكترونية، ومن أبرز هذه المواقف:
تزوج أعرابى على كبر سنه، فعوتب على مصير أولاده القادمين، فقال: أبادرهم باليتم قبل أن يبادرونى بالعقوق.
جىء بأعرابى إلى أحد الولاة لمحاكمته على جريمة اتُّهم بارتكابها، فلما دخل على الوالى فى مجلسه، أخرج كتابا ضمّنه قصته، وقدمه له وهو يقول: هاؤم اقرأوا كتابيه..
فقال الوالى: إنما يقال هذا يوم القيامة.
فقال: هذا والله شرٌّ من يوم القيامة، ففى يوم القيامة يُؤتى بحسناتى وسيئاتى، أما أنتم فقد جئتم بسيئاتى وتركتم حسناتى.
حضّرَ أعرابى سُفرة هشام بن عبد الملك، فبينما هو يأكل إذ تعلّقت شَعْرة فى لقمة الأعرابى، فقال له هشام: عندك شَعْرة فى لُقمتك يا أعرابيّ! فقال: وإنك لتلاحظنى ملاحظة مَن يرى الشَعرة فى لُقمتي! والله لا أكلتُ عندك أبداً! وخرج وهو يقول:
وللموتُ خيرٌ من زيارةِ باخلٍ
يُلاحظُ أطرافَ الأكيلِ على عمدِ.
نظر أعرابى إلى البدر فى رمضان فقال: سَمِنتَ فأهزلتنى أرانى الله فيك السل!.
قيل: اشترى أعرابى نصف دار، فقال يوما: قد عزمت على بيع نصف الدار الذى لى، وأشترى بثمنه النصف الآخر، حتى تصير الدار لى كلها.