- رفض والدها عملها بالفن فتزوجت صديقه بعدما وعدها بالموافقة وأنجبت فى الثانوية العامة
- تنبأت بنهايتها فى مسرحية رابعة العدوية وصعدت إلى القمة بسبب خوف نجلاء فتحى وسعاد حسنى من دور الجاسوسة
- لم نفترق أبداً حتى وفاتها وما أثير عن تخليها عنى شائعات مغرضة.. ولهذا السبب فرحت بعدما ضربها رشدى أباظة
- أصيبت بجلطة فى الساق بعد وفاة شقيقها فى سن 17.. وهذه حكاية قصة الحب الوحيدة فى حياتها
جميلة هى كأميرات القصص، ساحرة كبطلات الحواديت، نظرة إلى عينيها تحملك إلى عالم آخر يختلط فيه الجمال مع الغموض، البراءة مع الأنوثة، السعادة مع الحزن، السحر مع الوضوح، الشهرة مع الزهد، وهكذا ينتابك شعور غامض حين تدخل إلى البيت الذى عاشت وماتت فيه، وشهد سنوات صعودها ومجدها وتألقها الفنى، كما شهد أيام زهدها وقربها من الله وانشغالها بالعبادة عن صخب الدنيا والأضواء، وشهد أيضًا صعود روحها إلى بارئها كما تمنت بشكل مفاجئ وبعد صلاة الفجر فى شهر رمضان.
إحساس بالسكينة والهدوء النفسى تشعر به حين تدخل إلى المنزل الذى عاشت وماتت فيه أميرة السينما وجميلة الفن مديحة كامل، ربما يعزز من هذا الإحساس المعلومات المسبقة عن ملابسات وفاة صاحبة البيت وسنواتها الأخيرة قبل الوفاة، صورتها فى مدخل الشقة تحمل نفس النضارة وشقاوة العينين والجمال الفطرى غير المصطنع والخالى من أى رتوش صناعية سوى هذا الإيشارب الذى أضافته الابنة لصورة والدتها حتى تراها فى صورتها الأخيرة بنفس جمالها الساحر الذى سلب القلوب، وصورة أخرى فى حجرة الاستقبال من فيلم العفاريت تبدو فيها النجمة فى قمة جمالها وشقاوتها وبنفس صورتها فترة التألق الفنى دون حجاب.
ابنة وحيدة تحمل بعض ملامح والدتها كما تحمل كثيرًا من أسرارها وتعيش على ذكرياتها معها، تتأمل صور الأم فى مراحل مختلفة من عمرها وتنفى الكثير من الشائعات المتداولة عنها خاصة ملابسات اعتزالها.
تقلب ميرهام محمود الريس ابنة الفنانة الراحلة مديحة كامل فى صور والدتها التى اعتبرها الكثيرون نجمة إغراء وصاحبة أجمل وجه على الشاشة، كثير من هذه الصور تحمل تفاصيل فترة الطفولة والصبا، وعلى مسرح المدرسة، وبعضها فى المرحلة الإعدادية تؤدى فيها النجمة الراحلة شخصية رجل فى بعض المسرحيات، وفى صورة ثانية تؤدى دور كليوباترا، وفى أخرى تجسد دور رابعة العدوية العابدة الزاهدة وهو الدور الذى حصلت فيه مديحة كامل على كأس المدارس، وحين تنظر إلى هذه الصور تدرك أن الدنيا مسرح كبير قد تتطابق فيه الأحداث بين الواقع والتمثيل.
البدايات فى الإسكندرية
تتحدث ميرهام محمود الريس مصممة الأزياء عن نشأة والدتها مديحة كامل أحمد صالح، فتشير إلى أنها تنتمى إلى محافظة الإسكندرية، وولدت فى 3 أغسطس عام 1946 ، وكانت والدة مديحة كامل تزوجت وأنجبت ولدا قبل زواجها من أبيها ثم توفى زوجها بعد عام، فتزوجت من والد مديحة كامل وكان صاحب مضارب الأرز بالإسكندرية وأنجبت منه 5 أبناء أكبرهم مديحة وبعدها أحمد ووفاء ومصطفى وجيهان.
تشير الابنة إلى مواهب والدتها فى الطفولة والصبا: «من صغرها كانت غاوية فن وبتمثل فى المسرح المدرسى وأخدت جوايز وفازت بكأس المدارس عن دور رابعة العدوية وكانت رياضية وبتلعب جومباز وكرة طائرة وده سر رشاقتها».
لفتت مديحة كامل الأنظار بجمالها منذ صباها، فحصلت على لقب فتاة الشاطئ فى إحدى المسابقات على شاطئ الإسكندرية فى سن 16 عامًا ووضعت صورتها على غلاف مجلة الكواكب كما تشير ابنتها: «بعد نشر الصورة تلقت عروضا كثيرة بالتمثيل ولكن والدها رفض، لأنه خاف عليها من الوسط الفنى، وكى يرضيها وافق أن تشارك فى بعض عروض الأزياء ولكنها ظلت تحلم بفرصة للتمثيل». تشير الابنة إلى إحدى صور والدتها أثناء مشاركتها فى عرض أزياء وهى بالمرحلة الثانوية.
زواج من أجل الفن
خلال هذه الفترة وجدت مديحة كامل الحل فى تحقيق حلمها بالتمثيل فى الموافقة على الزواج من أحد أصدقاء والدها الذى تقدم للزواج منها ووعدها بأن يسمح لها بالتمثيل. وقالت ميرهام الريس: «تقدم لها والدى وكانت فى الصف الثانى الثانوى بينما كان يكبرها فى السن بسنوات كثيرة، ولكنها وافقت على هذا الزواج التقليدى حتى يكون سبيلها لممارسة الفن».
انتقلت مديحة كامل بعد زواجها من الإسكندرية إلى القاهرة، وعن ذلك تقول ابنتها: «كانت أمى تدرس فى مدرسة راهبات بالإسكندرية قبل زواجها ولكن لم تكن المدرسة تسمح بوجود طالبات متزوجات بها، ولم يكن يسمح بذلك سوى المدرسة القومية بالقاهرة، فانتقلت والدتى للقاهرة ومعها والدتها، خاصة أن أمى حملت بى وهى فى الثانوية العامة، وبقيت جدتها مع والدها وباقى أشقائها فى الإسكندرية». تشير الابنة إلى أن والدتها أدت امتحانات الثانوية العامة وهى حامل، وكانت المسؤولية كبيرة جدًا عليها فى هذا السن الصغير فساعدتها والدتها ولم تفارقها، خاصة أنها لم تكن تعرف كيف تتعامل مع مولودتها الرضيعة، قائلة: «كانت طفلة أنجبت طفلة». وتابعت ميرهام الريس متحدثة عن بداية مشوار والدتها الفنى: «فى الأسانسير شاهدها المخرج أحمد ضياء الدين صدفة، وعرض عليها المشاركة فى فيلم فتاة شاذة عام 1964 وهو أول دور فى السينما وكان الفيلم بطولة رشدى أباظة وشويكار وأحمد رمزى وشاركت فيه بدور صغير بعد ولادتى». «كان والدى يغار عليها بشدة وبعد الفيلم طلب منها أن تتوقف عن التمثيل وتتفرغ للحياة الزوجية فرفضت لأنها وافقت بالأساس على الزواج بعدما وعدها بأن يسمح لها بالتمثيل، وهو ما تسبب فى وقوع الطلاق بعد عامين ونصف من الزواج وكان وقتها عمرى عام ونصف فقط».
مسيرة وصدمات وشائعات
تنفى ابنة مديحة كامل الكثير من الشائعات المتداولة عن والدتها ومنها أنها تركتها لتربيها خالتها حتى تتفرغ للفن: «عمرنا ما افترقنا عن بعض، وكل هذا الكلام شائعات وقاضيت من روجوها، فبعد طلاق والدتها من والدها عاشت معها فى القاهرة واستكملت مسيرتها الفنية، وعندما كانت ظروف عملها تستلزم السفر كانت تصطحبنى معها ولا أفارقها، وبعدما كبرت أصبحنا كأختين لأن فرق السن بيننا ليس كبيرا».
تشير ابنة مديحة كامل إلى أصعب المواقف التى مرت على والدتها وهى إصابة شقيقها الأصغر مصطفى بسرطان الدم وهو فى سن 17 عاما وكان ذلك فى بداية السبعينات، ووفاته بعد شهر من الإصابة.
« كانت وفاة خالى صدمة شديدة للعائلة ولم تتحمل والدتى هذه الصدمة لأنها كانت تحب عائلتها وأشقائها ومرتبطة بهم بشكل كبير وأصيبت بجلطة فى الساق، وبعد شفائها حاولت التخفيف عن والدتها بالسفر لأداء فريضة الحج».
وتكمل: «استمرت فى مسيرتها الفنية تقبل الأدوار التى تعرض عليها ومنها فيلم 30 يوما فى السجن ومسرحية هالو شلبى، حتى شاركت فى فيلم الكداب عام 1975 للمخرج صلاح أبو سيف فى دور ثان وكان الفيلم بطولة ميرفت أمين، ومسلسل الأفعى عام 1977 ، فأعجب المخرج كمال الشيخ بأدائها، ورشحها لفيلم الصعود إلى الهاوية بعدما رفضته سعاد حسنى ونجلاء فتحى خوفا من كراهية الجمهور إذا ما قامت أى منهما بدور الجاسوسة». وأوضحت الابنة: «كان هذا الدور طفرة فى تاريخ والدتى الفنى وحققت نجاحا مذهلا، ولأول مرة يعترف بها والدها كفنانة ويوافق على عملها بالفن بعدما شاهد هذا الفيلم وأعجبه أداءها وهنأها». «وبعد هذا الدور تخطت أمى مرحلة الانتشار وبدأت تنتقى من بين الأعمال التى تعرض عليها وشاركت فى أعمال مهمة فى السينما والتليفزيون والمسرح».
حنان وحزم وأم وأب
تتحدث ميرهام الريس عن العلاقة بينها وبين والدتها النجمة الجميلة مديحة كامل: «كانت حنونة جدًا ولكن فى طفولتى كانت شديدة وصارمة تقوم بدور الأم والأب، وكانت تتابع كل ما يخصنى بنفسها، مواعيد النوم والأكل والمذاكرة، ولوعندها شغل فترة الامتحانات تصطحبنى معها لأذاكر فى غرفتها مع المربية وبين المشاهد تتابعنى بنفسها». « كانت ملتزمة بالمواعيد ولا تسمح لى بالتأخر خارج البيت بعد الساعة 8 مساء، وكانت تخاف على جدا وتريد أن أكون منضبطة فى كل شىء وتحرص على ألا يتم مجاملتى بسبب نجوميتها». تضحك الابنة قائلة: «البنات فى المدرسة كانوا بيتريقوا عليا، لأننى حتى نهاية المرحلة الثانوية كنت باعمل ضفيرة وألتزم بالزى المدرسى التزاما شديدا، وأرتدى «شراب أبيض وحذاء بدون كعب» وكأنى طفلة فى ابتدائى».
«كانت أمى دائما تقول لى عمرى ما هاسمح لك تكونى السبب فى أن يقال دى مش متربية لأنها تربية فنانة أو تربية واحدة ست، ولذلك كانت حريصة أن أكون ملتزمة جدا فى كل شىء، وأن ألتزم بطابور المدرسة ولا أحصل على أى استثناء».
تحكى الابنة أحد المواقف التى تكشف حرص الفنانة مديحة كامل على تنشئة ابنتها تنشئة مستقيمة قائلة: «عرفت أمى أننى حصلت على درجة مرتفعة لأنى غشيت فى أحد الامتحانات، فلم تنم، وفى اليوم التالى ذهبت لمديرة المدرسة وأخبرتها، وأصرت أن تضع لى صفرا فى هذه المادة، وقالت لها شدوا عليها، لأنها كانت عايزانى أتربى مظبوط». «زملائى فى المدرسة فاكرينها وعارفينها وكانت بتحضر حفلات المدرسة ومجلس الأباء، وأثناء امتحانات الثانوية العامة كانت بتشتغل مسرح، وبعد انتهائها من العرض تأتى لتظل بجوارى حتى موعد الامتحان فى الصباح وتصطحبنى بنفسها، وتنتظرنى خارج اللجنة وتنام فى السيارة حتى أنتهى من امتحانى لتصطحبنى إلى المنزل». «كانت أم عظيمة تحاول أن تتفهمنى دائمًا، وساعدتها دراستها لعلم النفس بكلية الآداب فى أن تتجاوز بى مرحلة المراهقة بسلاسة، وقامت بدور الأم والأب والأخت والصديقة».
3 زيجات وحب وحيد
تشير ميرهام الريس إلى أنها ظلت بعد انفصال والديها على تواصل دائم مع والدها وإخواتها من أبيها، حيث كان والدها متزوجًا وأنجب قبل زواجه من الفنانة مديحة كامل. بعد طلاق الفنانة مديحة كامل من زوجها الأول رجل الأعمال محمود الريس تزوجت مرتين، وعن ذلك تقول ابنتها ميرهام الريس: «بعد طلاقها من والدى بحوالى 3 سنوات تزوجت والدتى من المخرج شريف حمودة، وكانت زيجة قصيرة جدا لأنها اعتقدت أنه سيساعدها فى عملها بالفن، وهذا لم يحدث فتم الطلاق بعد فترة قصيرة». تتحدث الابنة عن الحب الوحيد فى حياة والدتها، مشيرة إلى أنها بعد طلاقها من المخرج شريف حمودة تعرفت على المحامى جلال الديب وأحبته وتزوجا: «أحبته بشدة كما أحببته أنا أيضا وكان يعاملنى كأب، خاصة أنه تزوج قبل والدتى ولم ينجب، وكان وقتها عمرى حوالى 6 سنوات، وعشت معه أنا وأمى حياة سعيدة ولكنها قصيرة». وتابعت ابنة مديحة كامل: «حدثت له مشاكل مع الدولة بعد ثورة التصحيح وكان مضطرا للسفر، وطلب من أمى أن تسافر معه فرفضت لأنها لم تستطع أن تتركنى أو تترك أهلها وفنها وكان ذلك فى السبعينات وبعدها لم تتزوج أمى رغم عروض الزواج الكثيرة والمغرية». وأوضحت الابنة: «كانت زيجات أمى من أجل الفن وتركت حبها أيضا من أجل الفن لأنها كانت موهوبة وتسعى لتحقيق ذاتها».
العلاقة بالوسط الفنى وصفعة رشدى أباظة
تشير إلى علاقة الفنانة مديحة كامل بالوسط الفنى: «كانت لطيفة مع كل زملائها ومابتعملش عداوات، وكانت مثل الطفلة حنونة وطيبة وخاصة مع العمال فى الاستديوهات، بتهزر وتضحك زى الطفل الشقى كما كانت صريحة لدرجة كبيرة وأحيانا كانت صراحتها تتسبب لها فى العديد من المشاكل وأكثر ما يضايقها عدم الالتزام بالمواعيد، وكان أقرب أصدقائها ميرفت أمين ونجلاء فتحى وحسين فهمى وعمر خورشيد، ومن المخرجين محمد عبدالعزيز وعمر عبدالعزيز وأشرف فهمى وكلها كانت صداقات عائلية». تحكى الابنة أحد المواقف الطريفة التى عاصرتها مع والدتها، قائلة: «كانت أمى تشارك فى بطولة فيلم سأعود بلا دموع مع الفنان الكبير رشدى أباظة وكان هذا آخر أفلامه قبل وفاته، وقبل التصوير غضبت منى وضربتنى لأننى لم أتناول الغداء، وكان من المفترض أن يضربها الفنان رشدى أباظة فى المشهد، وبالفعل صفعها بشدة حتى احمرت خدودها، فضحكت وفرحت لأنه ثأر لى وضحكت أمى رغم تألمها من تأثير الضرب». تؤكد ابنة مديحة كامل أنها لم تتأثر بالأضواء والشهرة التى حازتها والدتها ولم يكن لديها أى ميول فنية: «لم أنبهر بفكرة الأضواء، وطول عمرى باتكسف وأتوتر من الكاميرا، وماما كانت خايفة عليا وعاوزة تخبينى، وحبيت تصميم الأزياء».
«كنت أساعدها وأقرأ معها سيناريوهات وأقول لها ملاحظات، وأساعدها فى اختيار الملابس والتحقت بكلية التجارة، ولكن تدربت فى فيلم بوابة إبليس وهو آخر أفلامها قبل أن تعتزل تدربت كمساعد مخرج». وتابعت الابنة مشيرة إلى إحدى الصور التى ترتدى فيها والدتها فستانا من تصميمها: «أرادت أن تشجعنى وتمنحنى الثقة فى نفسى وأنا فى بداية طريقى فارتدت فستانا من تصميمى وحضرت به أحد المهرجانات واستلمت به جائزة المركز الكاثوليكى، فكانت أعظم أم ومنحتنى الكثير».