المحبة والتآخى والتسامح، شعارات يرفعها العالم فى الألفية الثالثة ويعززها فى نفوس الشعوب لتقبل الآخر باختلاف جنسه ولونه ودينه، وهى تعاليم أساسية فى الدين الإسلامى الذى يؤكد فى تعاليمه على قبول الآخر دون تمييز، وكل هذه المشاهر الإنسانية النبيلة تجسدت اليوم فى تعامل المسئولين والشعب النيوزيلندى مع تداعيات الحادث الإرهابى الذى استهدف مسجدين، ما أسفر عن مقتل 50 شخصًا أثناء أداء الصلاة الأسبوع الماضى.
وفى بادرة رائعة من النساء نيوزيلندا، ارتدى عدد كبير من النساء الحجاب إظهارًا للتضامن مع الجالية المسلمة فى نيوزيلندا، والذين كانت قدوتهم فى ذلك رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، التى سبقتهم وارتدت الحجاب الأسبوع الماضى، أثناء تقديم التعازى للجالية الإسلامية فى البلاد، ليس هذا فقط، بل سمحت، اليوم، أيضًا، بأن يدوى صوت الآذان لصلاة الجمعة، فى مدينة كرايستشيرش، وشتى أنحاء نيوزيلندا، بينما تجمع الآلاف لتأبين ضحايا الهجوم الإرهابى.
إلى جانب ذلك، قادت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، نحو خمسة آلاف شخص فى الوقوف دقيقتين حدادًا فى متنزه هاجلى أمام مسجد النور الذى قتل فيه معظم الضحايا، وقالت فى خطاب قصير "نيوزيلندا تشاطركم الأحزان، نحن واحد"، كما استعانت فى خطابها بحديث لرسول الله، حيث قالت "الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)".
مبادرة رئيسة وزراء نيوزيلندا، بارتداء الحجاب، ومن خلفها الشرطيات والمذيعات فى القنوات الفضائية النيوزلندية، بل والمواطنات فى الشوارع، اللائى ارتدين الحجاب أيضًا، تضامنًا مع ضحايا الجالية الإسلامية، كان رسالة للتسامح والتآخى والترابط المجتمعى، ففى وسط الحشود ظهرت شرطيات مغطاة الرأس بـ"الحجاب"، وعلقن ورود حمراء فى ستراتهن، هذا فى الوقت الذى ظهرت فيه المذيعات على الهواء مباشرة مغطاة الرأس بالحجاب أيضًا أثناء تقديم البرامج التليفزيونية، كذلك احتشد عدد كبير من النساء غير المسلمات فى مساجد بولنجتون وأوكلاند ومدن أخرى وارتدين الحجاب، وبالتالى فإن سلوكهم هذا أبلغ رد على "الإسلاموفوبيا"، وذلك حسب ما نشرته شبكة "ABC" الإخبارية، ووكالات أنباء عالمية.
وكانت روبين مولونى البالغة من العمر 65 عامًا، ومجموعة من صديقاتها من بين اللائى ارتدين الحجاب، ووقفن فى ساحة هاجلى، حيث اعتدن السير يوميًا، وقالت "نرتدى الحجاب إظهارًا لدعمنا وحبنا وتضامننا مع المسلمات، ونأمل أن يظهر ذلك للمسلمات أننا معهن"، فيما شجعت حركة دشنتها طبيبة من أوكلاند تحت هاشتاج "حجاب من أجل التناغم" (هيدسكارف فور هارمونى)، النساء على ارتداء الحجاب، اليوم الجمعة، كرمز لتضامنهن ودعمهن للجالية المسلمة.
كما نشرت وسائل الإعلام فى مختلف أنحاء العالم صور رئيسة الوزراء النيوزيلندية مرتدية حجابا أسود لدى زيارتها لأسر الضحايا بعد يوم من الهجوم، كذلك شوهدت نساء فى العاصمة ولنجتون يرتدين الحجاب فى طريقهن إلى العمل صباحًا.
وفى الوقت الذى تفرض فيه الشرطة حراسة أمنية على المساجد فى جميع أنحاء نيوزيلندا منذ الهجوم، والتى انتشرت بكثافة اليوم لطمأنة المصلين، وضع الضباط الذين انتشروا فى محيط كرايستشيرش شارات خضراء على صدورهم تعبيرًا عن السلام والتضامن، كما خصصت الصحف النيوزيلندية صفحات كاملة نعت فيها جميع لضحايا بأسمائهم وتضمنت دعوة إلى حداد وطنى، بينما قالت صحيفة نيوزيلند هيرالد، فى صفحتها الأولى "دعوة إلى الصلاة.. فى الوحدة قوة".