لا يصدق من يرى مشاهد وأدوار ملك الكوميديا الفنان الراحل عبد الفتاح القصرى الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم أن هذا الفنان الذى أضحك الملايين مات وحيدًا حزينًا مفلسًا، تأثرًا بخيانة زوجته التى استولت على أملاكه وتزوجت ابنه بالتبنى بل وأجبرته على أن يكون شاهدا على عقد زواجها بعدما فقد عقله وبصره.
وفى حياة هذا الفنان الكبير الذى أمتعنا بإيفيهاته التى لا تنسى ومنها: "انتى ست انتى، ده انتى ست اشهر، يا صفايح الزبدة السايحة، كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبدًا.. خلاص هتنزل المرة دى، ومرافعته الشهيرة فى فيلم الأستاذة فاطمة"، جزء غامض مجهول لم يستطع أن يحكيه ولا يعرفه حتى أقاربه الباقون على قيد الحياة، ومنهم ابنة شقيقه نجلاء محمد فؤاد القصرى التى تجاوزت الستين ولا تعرف إلا القليل من المعلومات عن حياة عمها الذى لم تره وتوفى والدها قبل وفاته، والتى أكدت أن الأسرة لا تعرف مكانه قبره، حيث انفصل عن أسرته بعدما طرده والده وهدده بالحرمان من الميراث إذا عمل بالفن.
لذلك يقع الباحث فى تاريخ حياة عبد الفتاح القصرى بين قصتين وحكايتين أو أكثر فى العديد من محطات حياته، حتى تاريخ ميلاده، فبينما تشير بعض المصادر ومنها ويكيبديا إلى أنه ولد فى 15 أبريل 1905، يؤكد الكاتب والمؤرخ الفنى ماهر زهدى طبقًا لما ذكره فى تناوله لحياة القصرى أنه ولد فى 15 أبريل 1897.
وتختلف بدايات حياة القصرى ابن الأكابر عن نهايته الحزينة حيث ولد مدللا لعائلة تعمل فى الصاغة، ويمتلك أفرادها ومنهم والده فؤاد القصرى محلات ذهب فى الجمالية، وكان يوم ميلاده يوم فرح للعائلة قليلة الإنجاب.
ورغم أنه أدى أدوار ابن البلد والمعلم غير المتعلم إلا أن القصرى درس فى مدارس الفرير وكان يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، ولكن طرده والده بعدما عشق الفن وقاطعته أسرته.
وتألق القصرى فى فرقة الريحانى، وبدأ ابن الجواهرجى طريق الشهرة والنجومية بعدما جسد شخصية ابن البلد والحانوتى والمعلم، وخلال هذه الفترة تزوج ثلاث ولكنه لم يحقق حلم الإنجاب.
وكانت بداية النهاية فى مشوار القصرى بعدما تعرف على ممرضة تصغره بسنوات وتزوجها، وكان قبل الزواج منها تبنى طفلا يتيما وجده يعمل عند بقال بالقرب من مسكنه، فأشفق عليه وأخذه ليعيش معه، ثم أقنعته زوجته الشابة بأن يكتب لها كل أملاكه بحجة خوفها من أسرته إذا ما أصابه مكروه، وبعدها تغيرت معاملتها له، وبدأ يشعر بأن هناك علاقة مريبة تربطها بابنه بالتبنى وازداد شكه حتى تأثرت صحته، وفقد بصره أثناء مشاركته فى مسرحية الحبيب المضروب عام 1962.
وبدأت رحلة عذاب القصرى خلال السنوات الأخيرة من عمره بعد تدهور صحته، حيث أساءت زوجته معاملته، وحبسته فى بدروم الفيلا بعد أن أجبرته على تطليقها، بل وأن يكون شاهدا على عقد زواجها من ابنه بالتبنى.
وفى عام 1964 نشرت "الجمهورية" صورة للقصرى يمسك بأسياخ حديد شباك حجرته بالدور الأرضى، وكتب الصحفى محمد دوارة تعليقًا على الصورة، قال فيه: «بدأ الضوء والحياة يفارقان عينى القصرى تدريجيًا، خشيت مطلقته أن يشكوها لأحد، فأغلقت عليه الباب، ليصرخ كل يوم من وراء النافذة يطلب من السكان سيجارة، فيضحك صغار الصبية، بينما تخرج الزوجة السابقة وزوجها الجديد كل يوم للتنزه بأمواله".
وبعد نشر الصورة أسرعت مارى منيب ونجوى سالم لزيارته وبصحبتهما الصحفى محمد دوارة، كما أشار الكاتب الصحفى والمؤرخ سعيد الشحات فى مقاله «ذات يوم»، ولم تسمح لهم الزوجة بالدخول إليه إلا بعد معاناة، وكانت الصدمة التى أبكتهم أنه لم يتعرف عليهم بعدما أصيب بفقدان الذاكرة، فاصطحبته مارى منيب ونجوى سالم إلى المستشفى، وعرفا أنه أصيب بفقدان الذاكرة والهذيان، نتيجة تصلب الشرايين، وقضى القصرى عدة أسابيع فى المستشفى، خرج بعدها لتكتمل مأساته، حيث أغلقت مصلحة التنظيم منزله ووضعت عليه الشمع الأحمر تمهيدًا لإزالته، وباعت طليقته الأثاث وهربت مع زوجها الجديد، ليصبح القصرى بلا مأوى، وقادت مارى منيب ونجوى سالم حملة تبرع لإنقاذه من التشرد، حتى خصص له محافظ القاهرة شقة فى مساكن المحافظة، وخصصت له نقابة الممثلين إعانة شهرية قدرها «10 جنيهات»، وعاش القصرى أيامه الأخيرة فى هذه الشقة مع شقيقته بهية، ولم تمض سوى أيام قليلة حتى صعدت روحه إلى بارئها فى 8 مارس 1964، بعد حياة حافلة بالفن والضحك والقهر والظلم والحزن، ولم يحضر جنازته إلا عدد قليل من الفنانين، وشقيقته بهية التى توفيت بعده.