حقق فولوديمير زيلينسكي فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا على الرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو والطريف أن زيلينسكي قبل صعوده علي كرسي الرئاسة كان يعمل في مجال التمثيل ويعد من أشهر نجوم الكوميديا في أوكرانيا والأكثر طرافة هنا في قصة ذلك الفنان الذي اصبح رئيسا أنه قدم دورا في المسلسل الكوميدي "خادم الشعب" حيث جسد شخصية مدرس تاريخ، قادته الصدفة ليصبح رئيسا للجمهورية، وهو الذي لم يكن لديه خبرة، ولا تاريخ سياسي معين، وبذلك يكون “زيلينسكي” قد حول المسلسل الكوميدي من مسلسل إلى واقع حقيقي وأصبح ممثلا حقيقيا للشعب والدولة على الساحة السياسية الدولية.
فولوديمير زيلينسكي ليس الرئيس الوحيد الذي مارس التمثيل قبل اعتلائه حكم دولة لكن هناك نماذج كثيرة كانت لهم مواهب وتجارب في التمثيل في كل دول العالم وبدأوا في بلاتوهات السينما ومن علي خشبات المسارح ثم قادتهم الصدفة أحيانا والإرادة أحيانا أخري لتولي رئاسة الدول والشعوب والرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب قدم بعض الأدوار الهامشية ككومبارس في عدد كبير من الأفلام والمسلسلات برغم كونه رجل أعمال ناجح لكنه بدافع اكتساب الشهرة والترويج لتجارته شارك في بعض الأفلام والمسلسلات مثل الفيلم الأمريكي الشهير ،”Home alone” في عام 1992 وتنوعت مشاركات "ترامب" السينمائية في مشاهد قصيرة لا تتعدى في أغلبها بضع ثوان من ضمنها دوره في الفيلم الكوميدي"Ghosts Can’t Do It"، في عام 1989، وحصل من خلاله على جائزة التوتة الذهبية "رازي" (التي تُمنح لأسوأ ممثل وأسوأ فيلم سينمائي) كأسوأ ممثل في هذا العمل الفني، وفي العام ذاته، ظهر في إعلان تجاري عن لعبة من صناعته، وتحمل اسمه.
وقبل ترامب في الولايات المتحدة الامريكية كان الرئيس رونالد ريغان ممثلا بأدوار مغمورة في السينما الأمريكية قبل أن يحصل على فرصة الترشح إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية إذ نجح في الوصول إلى كرسي الرئاسة الأمريكية.
ولو تركنا أمريكا سنجد أن دولة الفلبين تولي فيها الرئاسة االممثل الفلبيني "جوزيف استرادا" الذي اشتهر في أداء أدوار رئيسية في العديد من الأفلام والمسلسلات الفلبينية لمدة ثلاثين سنة. واستطاع من خلال شعبيته الفنية تحقيق انتصار خلال الانتخابات البلدبة وبعدها نجح في أن يصبح رئيسا للبلاد، عام 1998.
لو عدنا مرة أخري لأمريكا ولكن الجنوبية وليست الشمالية سنجد أن رئيس جوانتيمالي جيمي موراليس كان ممثلا تلفزيونيا لمدى عشرين سنة شارك في برامج، وأفلام كوميدية ساخرة واستطاع بفضل شعبيته الفنية الكبيرة تحقيق فوز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 25 أكتوبر 2016.
في مصر أم الدنيا سنجد أن الرئيس جمال عبد الناصر مارس التمثيل علي المسرح كما ذكر أستاذنا محمد حسنين هيكل قائلا : كان للأدب الإنجليزي تأثير ملحوظ على وجدان «عبد الناصر» الذي لم يكتف بالقراءة بل كتب مقالاً في مجلة مدرسة النهضة الثانوية بعنوان «فولتير رجل الحرية»، كما انضم لفريق المسرح بالمدرسة وقام بتمثيل مسرحية «يوليوس قيصر» لشكسبير، مع فريق المدرسة في حفل أقيم يوم 19يناير1935، في حضور وزير المعارف في ذلك الوقت وجسد دور يوليوس قيصر نفسه، الذي لقى مصرعه بعد خيانه مجلس الشيوخ له.
الرئيس الراحل محمد انور السادات مارس التمثيل وفي كتاب إبراهيم عبد العزيز «رسائل أنيس منصور» جاء على لسان الأديب الراحل أنيس منصور بخصوص لقاء جمعه بالرئيس الراحل أنور السادات، وخلاله صرح السادات لأنيس أنه فنانًا في أعماقه جرب أن يمثل ويغني ويقرأ القرآن في شبابه، وهو لم ينكر ذلك بعد أن أصبح رئيسًا للجمهورية، وكان ما دار بينه وبين أنيس كالتالي: «أنا رجل فنان، أحب الفن وأقدره وأجد متعة في لقاء أهل الفن والاستماع إليهم.. ولولا هموم السياسة ما رفعت عيني ولا أطبقت أذني عنهم.. فأنا فنان.. أحب الكلام الجميل والصوت الجميل.. وكنت.. حاقول لك إيه؟»
وكان السادات ضمن فريق التمثيل في المدرسة، ويذكر أنيس منصور أنه في إحدى الأيام جاء مذيع أمريكي يدعى «جورداش» ليجري حوارًا مع السادات وفجأة قال له: «ما رأيك يا سيادة الرئيس لو أننا قمنا بتمثيلية معًا، أنا أقوم بدور السادات وأنت بدور مناحم بيجن، وأن يكون هذا التمثيل مرتجلًا؟ فتكلم «السادات» بلسان «بيجن» مهاجمًا السادات والعرب، ثم طلب أن يعود على نفسه ويرد على الكلام الذي قاله على لسان «بيجن»، وضحك «السادات» وهاجم «بيج» بعنف، مؤكدًا لـ «بيجن» أن مثل هذا التفكير العتيق لن يحقق السلام بين إسرائيل والعرب.
وقيل الكثير حول رغبة أنور السادات في شبابه في دخول مجال التمثيل، حتى إن د.غالي شكري يقول: "لم يكن السادات يعشق السينما فقط.. وإنما كان يتمنى أن يصبح من نجومها.. ومنذ فجر شبابه وهو يحلم بالوقوف أمام كاميرات السينما" .
ومع أنه لم يصبح ممثلًا، فإنه ظل أسيرًا لهوايته، حتى عندما احترف السياسة، وهذا رأي يجمع عليه الكثير من أنصاره وخصومه.. بل وباعترافه الشخصي. حتى المراقبون الأجانب لاحظوا عليه ميله الفطري للتمثيل، فتصفه دورين كايز مراسلة محطة التليفزيون الأميركية "إيه بي سي" قائلةً: "... إن موهبة السادات في التمثيل كانت موهبةً فطرية، وكانت تقوده إلى نوع من الأداء التراجيدي- الكوميدي" .
لكن الأهم من ذلك كله هو ما أورده السادات نفسه في مقالٍ صحفي؛ إذ قال: "منذ فجر شبابي وأنا أحس بميلٍ شديد للفن والفنانين وخاصةً التمثيل، ولي في هذا المجال قصصٌ كثيرة" وأبرز هذه القصص كما يرويها السادات أنه انضم إلى فرقة تمثيلية في مدرسة "رقي المعارف" الثانوية في أوائل سنة 1936، وذلك بعد أن أدى الامتحان أمام المشرف، وكان ممثلًا محترفـًا. ويقول السادات إن هذا المشرف جاء بروايتين، إحداهما درامية والأخرى فكاهية، وإنه "أعطاني دورين أحدهما في الدراما وكان اسمي فيه "جيروم"، والآخر في الرواية الكوميدية وكنت أمثل فيها دور مأذونٍ اسمه "الشيخ عزيز". وما زلت أحتفظ إلى اليوم "بالبروجرام" الذي طُبِع لهذه الحفلة وعليه صورتي .
لكن قصة السادات مع التمثيل لم تنتهِ عند هذا الحد، فقد قرأ ذات يومٍ إعلانـًا تطلب فيه الفنانة أمينة محمد وجوهـًا جديدة لفيلمها "تيتا وونج" الذي كانت تزمع تقديمه ويكمل السادات قائلًا في مذكراته : "أذكر أنني توجهت إلى مقر الشركة في عمارةٍ بشارع إبراهيم باشا حيث جاءت الفنانة أمينة محمد واستعرضتنا جيئةً وذهابـًا، وكنا أكثر من عشرين شابـًا انتقت منا اثنين وطلبت من الباقين أن يرسلوا لها بصورتين إحداهما "فاس" والثانية "بروفيل"، ولم يكن هذا المطلب إلا زحولة".
وإذا كان الناقد والمؤرخ الفني حسن إمام عمر قد ذكر ذات مرةٍ أنه اشترك مع السادات في التمثيل في المدرسة، فإن هناك شاهدًا آخر على تمثيلية نادرة كان بطلها السادات. هذا الشاهد هو الكاتب الصحفي أنيس منصور الذي روى مرتين واقعة حوارٍ مسرحي كان السادات بطله، وقد تولى تصوير هذه "المسرحية" المصور التليفزيوني محمد جوهر فيقول أنيس منصور:
"سمعت من الرئيس السادات أنه كان يتمنى أن يكون فنانـًا، وعرفت من زملائه في الدراسة أنه كان ضمن فريق التمثيل في المدرسة، وسمعت من الرئيس السادات أيضـًا أنه أخطأ الطريق إلى أمله وهو أن يكون ممثلًا أو مطربـًا، وقد سمعت السادات يغني وسمعته أيضـًا يرتل القرآن الكريم، فلديه إحساسٌ بأن صوته جميل النبرات".