تتزين موائد العائلات فى مختلف البلدان بالوجبات المشهورة على نطاق واسع أحيانًا بكثير من الدول بجميع القارات، ولكن فى الغالب تحظى كل مائدة بأصناف الطعام المرتبطة بتراث الدولة وما خلفه الأجداد على مر العصور من وجبات تقليدية تراثية لم تندثر منذ عشرات السنين بل وبعد مرور قرون أحيانًا.
وبمناسبة شهر رمضان الكريم، فإن الموائد العربية، ولاسيما الجزائرية منها تتشكل وتتلون بأجمل المأكولات التى تميز المطبخ الجزائرى عن غيره كونه واحدًا من المطابخ العربية الغنية بمأكولاتها، وفى هذا الصدد، نستعرض أبرز الأكلات التى اشتهرت بها الجزائر، ومنها:
الكسكس الجزائرى.. سيد الأكلات الشعبية
أبرز الأكلات الشعبية فى الجزائر، هى "الكسكس"، والذى يطلق عليه عديد من الأسماء، مثل "سكسو" و"الطعام" و"البربوشة" و"النعمة"، ونادرًا ما يخلو غداء عائلة جزائرية فى سائر الأيام من هذا الطبق المتوارث، ويشترك الجزائريون فى منحهم طبق الكسكس مكانة أولى فى موائد أفراحهم وأحزانهم وفى شتى المناسبات وحتى من دونها، حتى أصبح يشكل اليوم إرثًا جمعيًا.
ويعرف باحثون طبق "الكسكس" بكونه أكلة بربرية يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 238 إلى 149 قبل الميلاد، وتدل على ذلك الفخاريات وبالأخص منها أوانى الكسكاس الفخارية، إضافة إلى الرسومات المكتشفة على الأوانى التى وجدت بمنطقة شمال إفريقيا.
ويطهى الكسكس من سميد القمح الصلب أو من الشعير أو من الذرة البيضاء، ويتم إعداده عن طريق طبخه فى إناء مثقب، يسمى الكسكاس أو الرقاب، بوضعه فوق إناء يغلى بحيث يطبخ الكسكس ببخار الماء أو بخار الطبيخ، وهناك أكثر من نوع من الكسكسو وأهمها كسكس بالخضراوات وكسكس باللحم أو الحوت، ويتناول بالملاعق أو اليد، وتعتبر هذه الأكلة غذاءً كاملاً ومتكاملاً لجمعها بين الدقيق المفتول والمفور والبقول الجافة مثل الحمص والفول والخضار فضلاً عن اللحوم.
الشخشوخة.. طبق الأفراح والمناسبات
الشخشوخة، من أبرز الأطباق التى يشتهر بها الشرق الجزائرى وهى طبق للأفراح والمناسبات، وتختلف طريقة تحضير "الشخشوخة" من منطقة إلى أخرى فى الجزائر، لكن أشهر أنواع الشخشوخة هى "الشخشوخة القسنطينية" (نسبة إلى ولاية قسنطينة فى شرق الجزائر) و"الشخشوخة البسكرية" (نسبة لمنطقة بسكرة بوابة الصحراء الجزائرية فى جنوب شرقى الجزائر)، و"الشخشوخة البوسعادية" (نسبة إلى منطقة بوسعادة فى وسط شرق الجزائر).
كما يوجد العديد من أنواع "الشخشوخة" الأخرى، منها: "شخشوخة الظفر" (نسبة إلى الظفر، لأنه يتم استعمال الأظافر للتفتيت)، وتطهى الرقائق العجينية لهذا النوع على "طاجن الطين" المقاوم للحرارة، وهناك أيضًا نوع آخر يعرف باسم "شخشوخة الفُتات"، كما تسمى ببعض مناطق الجزائر، وهى أكثر دسامة من "شخشوخة الظفر"، وتحضر الرقائق العجينية لهذا النوع على "طاجن الحديد" وهو صفيحة معدنية دائرية تدهن بكثير من الزيت لمنع التصاق العجينة بها.
تعجن العجينة المحضرة من الدقيق جيدًا، ثم تشكل منها كريات صغيرة، ومن هذه الكريات يتم صنع شرائح دائرية متساوية، ثم يتم وضع الرقائق على الطاجن (من حديد أو من طين) على حسب نوع "الشخشوخة"، وذلك لبضع دقائق فقط وعدم تركها تستوى، بعد الانتهاء من طهى الرقائق، يتم تفتيتها إلى قطع صغيرة جدًا بالنسبة "لشخشوخة الظفر"، ومتوسطة نوعًا ما بالنسبة "لشخشوخة الفُتات"، وتترك رقائق الشخشوخة لتجف.
ولا تكتمل "الشخشوخة" إلا بالمرق الذى يوضع فوقها ويجب أن يكون مزينًا باللحم، سواء كان لحم بقر أو غنم أو لحم دجاج، وعادة ما توزع قطع اللحم فوق رقائق "الشخشوخة" إلى جانب حمص يحضر مع المرق، والبيض المسلوق والذى يحضر وحده، وتتميز "الشخشوخة" بكثرة استعمال الفلفل الحار والبهارات القوية.
الزفيطي.. طبق حار لا يفارقه كوب الحليب
الزفيطى، تتسم هذه الطبخة اللذيذة بمذاقها الحار جدًا لاستخدام الفلفل الأخضر الحار الذى يطبخ مع العجين ثم يتم تقطيعه بالمهراس الخشبى، وتقدم فى وعاء مصنوع من الخشب، وحافظت هذه الأكلة الشعبية الخاصة بسكان منطقة المسيلة، على شهرتها نظرًا للطريقة التى تقدم بها التى تعبر عن الجماعة أو اللمة الطيبة بين الأصدقاء.
ويصنع طبق الزفيطى من خبز الرخساس المعجون بطحين القمح دون تخمير، ومجموعة من التوابل يشكل فيها الفلفل الحار نسبة كبيرة، كما تضيف ربة البيت الطماطم الجافة (المشرحة) والثوم والكسبر والزيتون الأخضر والماء، حيث توضع هذه التوابل فى مقلاة ويضاف إليها قليل من الزيت حتى تصبح على شكل مرق ويمزج مع فتات الخبز الرخساس داخل آنية خشبية تقليدية أسطوانية الشكل تدعى المهراس الذى يصنع من خشب الكروش الصلب.
وتقدم هذه الأكلة التقليدية مع قطع من اللحم والحمص والخضر، وغالبًا ما يقدم معها كأس لبن أو حليب كونه يخفف من حدة حرارته، أو تؤكل مع سلطة من الخس والزيتون، فضلاً عن بعض المقبلات الأخرى التى تعد ديكورًا يزين المائدة التى يقدم عليها الطبق التقليدي، ويتم تناوله بواسطة ملاعق خشبية.
الدوبارة.. أكلة جزائرية شتوية
تعتبر الدوبارة من أشهى المأكولات الجزائرية، تنتشر خاصة فى مدينة بسكرة، وتوجد ثلاثة أنواع: دوبارة بالحمص أو دوبارة بالفول أو دوبارة مختلطة أى أنها تتضمن الفول والحمص معًا، وحتى تكون الدوبارة لذيذة لا بد من نقع الحمص والفول فى الماء ليلة كاملة قبل التحضير، وفى اليوم التالى نتركها تغلى فى الماء دون ملح.
بعد ذلك يتم تحضير المرق الذى يتكون من الطماطم الطازجة أو المصبرة، ليضاف إليها الزيت والثوم بالإضافة إلى الفلفل الحار الأخضر والهريسة والليمون، ثم يتم وضع التوابل التى تتكون أساسًا من الكمون ورأس الحانوت والفلفل الأسود لتقدم فى الأخير بالقليل من زيت الزيتون.
ويفضل أكل هذا الطبق فى فصل الشتاء عندما يكون الطقس باردًا، على اعتبار أنه طبق دافئ وغنى للغاية ويمنح الجسم درجة كبيرة من الطاقة يحتاجها خلال يومه.
المحاجب.. طعام البسطاء للتدفئة فى الشتاء
فضلاً عن أكلة "الدوبارة"، يختار الجزائريون خلال فصل الشتاء، أكل "المحاجب"، وهو عبارة عن رغيف نحيف يحضر من الدقيق والماء ومع حشوات عدة منها البصل والطماطم، ويحضر الكل فى شكل طبقات من العجين المربع الذى يطوى عدة مرات ثم يقلى فى الزيت.
وقد ذاع صيت هذه الأكلة الشعبية التقليدية على مستوى العائلات الجزائرية منذ أمد بعيد وتفننت فيها نساء الجزائر، واستمدت شهرتها من بساطة تكاليفها، فهى لا تخرج عن العجين والمرق المخصص لحشو الحبات الذى يعتمد أساسًا على البصل والطماطم.