عملت فى مشغل من أجل 7 قروش.. قالت لعبد الوهاب: "أنا بحبك أوى يا أستاذ" ورد عليها: "بطلى سفالة يا بنت".. أنور وجدى صرخ فيها: البيت مفهوش كمون أنت طالق
كانت قيثارة تصدح بأصواتها فتعانق قلوب العاشقين أبواب السماء، سندريلا الشاشة فى الأربعينيات، صاحبة الابتسامة المبهجة، والرنة المعبرة والنظرة المفرحة، «ليلى» التى تمنى الجميع أن تكون ليلاه.
هى القيثارة ليلى مراد «17 فبراير 1918 – 21 نوفمبر 1995»، «بنت الأغنياء» التى ملكت قلوب «الفقراء»، وأسعدت قلوب التعساء، وملأت حنين المحبين، وشغف العاشقين بصوتها العذب، وضحكتها الساحرة، وحضورها الطاغى على الشاشة وعلى القلوب ولا تزال.
عاشت ليلى زكى ابنت الملحن إبراهيم زكى موردخاى، سنوات مليئة بالمصاعب، رافقها الحب، وزارها الألم كثيرا، لكنها دائما كانت تعرف كيف تواجه كل ذلك، فهى الهائمة الشجاعة، التى دائما ما كانت تعطى اهتماما لشىء سوى مشاعرها، تتحدث بصدق، حتى لو كان ذلك سيكلفها مجدها، هكذا ظهرت سندريلا الشاشة فى الأربعينيات على صفحات كتاب «ليلى مراد» للكاتب والروائى صالح مرسى، الصادر عام 2010، عن دار الشروق للنشر والتوزيع، حيث تروى «ليلى» فى أكثر من 15 ساعة مسجلة، مشوار رحلتها الفنية، كيف بدأت وكيف وصلت إلى قمة المجد.
«التطريز من أجل المال» ورفض والدها الغناء
فى مدرسة «نوتردام دى زابوتر» حيث زاملت «ليلى» أنباء الطبقات العليا، التى تحمل ألقابا طنانة، وتحمل مع الألقاب أموالا بلا حصر، نبغت موهبة الفتاة المراهقة وزملائها يطربون بصوتها، كان أصدقاء أبيها «الفنان» متحمسون لصوتها، ومعجبون بتلك الرنة الساحرة التى تتميز بها تلك الفتاة الصغيرة.
وصل الحماس بالبعض إلى حد الاقتراح على والدها الأستاذ «زكى» أن تحترف ابنته الغناء، عرفت ليلى ذلك لكنها تجاهلته، تمنته لكنها انتظرت، لكن والدها رفض الفكرة أساسا، كان محمد عمر القانونجى وأحمد سبيع العواد من أكثر الناس حماسا لصوتها، لكن الوالد يرفض دخول ابنته تلك العالم.
وما بين ليلى بنت الملحن زكى مراد، الذى حاول أن يعيش أهل بيته فى الرغد، جاء اليوم الذى لم يعد ممكنا أن يدفع زكى مصاريف مدارس ابنته المرتفعة، بعدما باع أغلب أثاث المنزل، وتراكم أجر البيت لشهور، حتى أصبحت ليلى تتجنب لقاء صاحبة المنزل، بل وتكرهها، لأنه ما من مرة رأتها تلك المرأة حتى ذكرتها بالأجرة المتأخرة.
فى ظل الأزمة وجدت ليلى الحل فى مدرسة للتطريز القريبة من المنزل، وكانت هذه المدرسة تعلم الفتيات أشغال الإبرة والكروشيه والبرودريه والأوبيسون والكانافاه، ثم تعطى للفتاة إذا ما اجتازت فترة معينة للتمرين، أجرا قدره سبعة قروش فى اليوم.
فى هذه المدرسة أنكبت ليلى على أشغال الإبرة بلا كلل، ولم يكن هدفها هو القروش السبعة، وإن كانت هذه القروش فى ذلك الزمان تشكل دخلا لا بأس به، لكن هدفها كان أعظم وطموحا أسمى، كدحت وتعبت ورأت فى الصبية الصغار فى أشغال الإبرة بحرا تغرق فيه وتتغلب على همومها بالغناء.
حلم الغناء يتحقق على يد عبدالوهاب
كان صعبا على زكى مراد، الملحن صاحب الاسم الذى يدوى كالطبل، أن يرى ابنته المراهقة تعمل فى هذا المشغل، وكان حتما عليه أن يغادر السكاكينى بعد تراكم الإيجار، فانتقل إلى حدائق القبة، وهنا راق قلب الأب لصغيرته وقرر مساندتها فى حلمها.
«انتى بتحبى المغنى يا ليلى؟»، هكذا بلا مقدمات دخل الرجل فى الموضوع، فما كانت من المراهقة الشابة إلا أن ترد: «أيوه يا بابا بحب المغنى»، حاول الأب فى البداية أن يقنعها بأن يعلمها العود، ولكن أمام الرغبة الملحة لابنته والحلم الصارخ الذى لا يفارقها، سألها: «إيه رأيك لو خليت واحد من الفنانين الكبار يسمعك»، فردت هاتفة: «زى مين يعنى؟»، ليرد عليها: «عبد الوهاب».
«أنا هتكسف أغنى قدام عبدالوهاب يا بابا»، كان زكى فنانا ذاكيا، ويعرف ويقدر بداخله الفن، ولم تمض أيام قليلة حتى جاء عبد الوهاب، بصحبة صديقين هما الدكتور بيضا وإيزابيل بيضا.
«تحبى تغنى إيه»، هكذا قال عبد الوهاب، وهكذا تمنت ليلى أن يظل يتحدث هذا الصوت الذى جاء كأنه تغريدة بلبل على غصن شجرة إلى الأبد، لكنها ردت وفى نشوتها: «أغنى: ياما بنيت قصر الأمانى»، فارتفع حاجب عبدالوهاب من الدهشة لأنها اختارت الدور الصعب، ليرد: «كده مرة واحدة»، «أيوه يا أستاذ».
امتدت يد عبد الوهاب إلى العود يضبط أوتاره، وساد الصمت، وبدأ عبد الوهاب يعزف، وغنت ليلى، كانت ترتل فى محراب سرى لا يعرفه إلاها، حتى انتهى اللحن وهبطت من دنياها إلى دنيانا، وجاءها صوت عبد الوهاب: «دى حاجة عظيمة خالص»، وهكذا كانت البداية، لا تعرف ليلى ما حدث بالتحديد ولا كيف غمرها طوفان الأيام حملا إلى أن تصبح واحدة من أشهر مطربات عصرها.
قالت لـ«عبد الوهاب»: «أنا بحبك قوى يا أستاذ» ورد عليها: «بطلى سفالة يا بنت»
كان «يحيا الحب» أول أفلامها أمام فارسها الأول محمد عبد الوهاب، وفى الأثناء ظهر الحب وتولدت داخلها باركين الغرام، نعم وقعت ليلى فى حب عبد الوهاب وغرقت فى الحب لشوشتها، إنها تراه كل يوم، نفس الشاب الوسيم الرقيق الأنيق، أبدا لم تر عبد الوهاب مبهدلا مثل باقى الفنانين أو منكوش الشعر.
ظلت على حالها، لم تسأل نفسها، ولم تمنع قلبها من الحب، لكنها ذات يوم تساءلت وهى أمام المرآة: «ماذا بعد».
كان عبد الوهاب حبها الأول، عطر الشباب الدافى يهب الربيع فيوقظ أحلى ما فيه، ورغم ما عانته ليلى من موسيقار الأجيال أثناء التصوير، فإن حبها له ظل متأججا، كانت تحبه بعنف، عندما كانت تشاهده والفتيات يلتفت حوله فى بهو الفندق، كانت تلهب نار الغيرة قلبها، أما هو فكان لاهيا بقدرة النجم الواثق بنفسه والمعجب بها.
قررت ليلى أن تواجه مصاعبها، وأن تجد حالا لقلبها المتوهج المتألم بالحب، فوجئ عبد الوهاب بها تتحدث إليه، التفت إليها ونظر نحوها وابتسم وانفجر غيظها منه كالقنبلة: «أنا بحبك أوى»، ظل عبد الوهاب على هدوئه وابتسامته، ظل صامتا كأنه ينتظر بقية الحديث ولم يكن هناك سوى «أنا بحبك أوى أوى».
هنا تحرك عبدالوهاب، مع قمة العصبية عند الفتاة، رفع ساقا ووضعها فوق الساق الأخرى، وظل يضرب ركبته بيده اليمنى برقة، ثم ضحك! ارتجفت الفتاة وارتجف صوتها، وهى تكاد تتوسل: «معناها إيه الضحكة دى أنا بحبك».
بالحرف هذا ما قالته ليلى، فاختفت ضحكة عبدالوهاب، وسدد إليها عينيه فى غضب وجاء صوته صارما: «أنا أفهم إن دى قلة أدب، إزاى تتجرئى وتقولى لى كده؟»، سدد إليها الطعنة فأصابت منها فى مقتل، وجرت دموعها، وكان درس الحياة الأول للمراهقة الشابة.
بعد ثلاثين عاما، تذكر عبد الوهاب فضحك وقال لـ ليلى مراد: «أنا قلت لك: بلاش سفالة يا بنت أنتى، لحسن أقول لبابا».
الزواج من أنور «غير الرومانسى» والطلاق بسبب الخيانة والكمون
ضغط أنور وجدى على مفتاح البنزين وأنطلق، كان قد أقنعها بالتمثيل معه، هو الممثل الشاب الطموح، وهى كانت ليلى مراد، المطربة والممثلة النجمة، وهى كانت قد أقنعته بإخراج الفيلم لتوفير النفقات، كان الهدوء حولهما عميقا، قال كل منهما كلمة، وتنأثرت حولهما الكلمات بلا هدف، كانت ليلى تذوب فى تلك السحابة التى ظللتها فجأة، وفى حنان همست: «مش هنرجع بقى؟»، التفت إليها أنور وقال: «يا سلام يا ليلى لو اتجوزتك واعيش معاكى على طول».
صعقت ليلى فما هكذا يكون الغزل، وعندما وقعت فى الحب لأول مرة يفاتحها حبيبها فى الزواج إلا بعد ثلاث سنوات، كانت تعتقد أن للحب أصولا وللغزل قواعد، ولا بد أن أنور وجدى هذا مجنونا.. لا بد.
مضت الأيام، وكانت قصة الحب بين أنور وجدى وليلى مراد، قد أصبحت حديث الوسط الفنى، كان أمامها طول الوقت، كان الفن مهما لها، وأيقنت أن «أنور» لن يمنعها من الغناء والتمثيل، لن يطالبها بالاعتزال كما فعل حبيبها القديم «الدبلوماسى» الذى طالبها بالاعتزال، لكنها رفضت من أجل أخواتها والمستوى المادى الذى كانوا يعيشون فيه.
بالمنطق وحده أقبلت ليلى على حبها الجديد، وأعلنت الأمر فى كل حركة وأصبحت تعامل أنور كخطيبها، حتى تم الزواج، الذى أحدث ضجيجا فى مصر هذه الأيام ونسجت الصحف حوله الحكايات، تزوجا الحبيبان، وعرض فيلم «ليلى بنت الفقراء» الذى حقق نجاحا باهرا، فتشجع أنور لينتج فيلمه الثانى بعدما أصبح أكثر ثقة بنفسه، فكان «ليلى بنت الأغنياء».
ظلت الأمور بينهما مستقرة إلى أن مضت شهور، وبدأت الخلافات بينهما، لكنها لم تكن خلافات عاطفية، بعدما قد تبين لكلاهما أن كلا منهما اقتنع تماما بالآخر، وبجدوى حياتهما معا، حتى ظهر المنتج أحمد سالم، الذى جاء ليعرض فيلما جديدا من إنتاجه وبطولته أمام ليلى مراد، ووجدت ليلى فرصة مناسبة لها وفكرة طموحة، لكن هنا ظهرت الغيرة على أنور، الذى حاول كثيرا فى استفزاز المنتج أحمد سالم أثناء عرضه تفاصيل التعاقد وهو فى منزلهما فى «الإيموبيليا»، وأمام إصرار ليلى أعجبت بفكر وطموح وذكاء «سالم» وافقت، وغادر هو المنزل، وغاب عنه أسابيع لا يرضى بالرجوع إلا أن تفسخ التعاقد من أجله، لكن سالم «الذكى» كان أسرع وقام بعمل حملة إعلانية للترويج للفيلم، وتعاقد مع الموسيقار محمد فوزى من أجل تلحين أغانى الفيلم، ورفض كل المحاولات التى تطلبه بفسخ التعاقد.
عاد أنور إلى المنزل، لكن لم تعد الحياة بينهما كما تصورا فى بداية، رغم إنها أرادت الهدوء، لكن أنور لم ينه الحياة بينهما إلا بشكل كوميدى، فبينما هى نائمة، استيقظت على صوت أنور يتصاعد من المطبخ، خرجت إليه وكان صوت الأطباق يتطاير، ووجدت ليلى فى الصالة الفنان محمد البكار، فسألته عن ثورة أنور، فجاءها أنور من خلفها صائحا: «البيت مفيهوش كمون يا ست هانم»، فقالت:«طب وإيه يعنى يا أنور، نبعت نشترى!»، فصرخ أنور:«وإيه يعنى.. طب انتى طالق يا ليلى!».. وفى هدوء خرجت ليلى من منزل الزوجية إلى فندق سميراميس، لتعيش فيه، وأصبحت مطلقة لأول مرة فى حياتها.
حاول أنور، إعادة ما كان، لكن الحياة دائما لا ترجع كما كانت أولا، سافر فى رحلة علاج إلى باريس، ومن مدينة «النور» ظل يرسل إليها رسائل الحب والغرام، وأنه لا يطيق العيش من دونها، وفى زمرة الحنين سافرت إليه وقررت أن تكون بجانبه فى محنته، استقبلها أنور بالأحضان ووجه لها هناك خنجار ووضع بيده آخر مسمار فى نعش حبهما، هناك بدأت عينيها تتفتح على الحقيقة، فبينما كانت تعيش وحدها فى مصر، كان هو يعيش مع عشيقته الثانية، التى سافرت «مخصوص» له، وهنا قررت ليلى أن تحسم الأمر، وأن تنهى تلك القصة بلا رجعة.