أنتجت أعظم الأفلام الدينية والوطنية وقال عنها الفيلسوف الفرنسى سارتر: هذه الممثلة أبكتنى وأنستنى جنسيتى .. تعرضت لمحاولات اغتيال فى بيروت من بعض المتعصبين الفرنسيين
عندما يذكر اسم الفنانة الكبيرة ماجدة يستدعى الكثيرون هذا الصوت ذا البحة المميزة الذى يفيض أنوثة ودلالا، وهى تنادى «ممدوح».. هذا المشهد الذى علق فى الأذهان عبر أجيال واستخدمه الكثيرون لتقليد الفنانة الرقيقة، يتذكر الكثيرون «ندى» بطلة فيلم المراهقات، الذى جسد لأول مرة مشكلات الفتاة المراهقة على شاشة السينما، أو«علية» الطالبة اليتيمة التى تحاول التمرد على طفولتها وعلى سيطرة والدتها بالموافقة على الزواج من «عمو عزيز» الرجل المسن، والمشهد الشهير حين تذهب إلى المدرسة لتغيظ زميلاتها وهى تقول لإحداهن: «شدى حيلك ياشاطرة بكرة تكبرى وتتجوزى.. ياللا يابوبى».. ثم تجذب كلبها وتمضى.
ورغم شهرة ماجدة فى أدوار الفتاة الدلوعة أو المراهقة، فإنه من الظلم اختزال مشوارها وتألقها ورصيدها الفنى الثرى كممثلة ومنتجة فى هذه الأدوار فقط، فهى الأخت الكبرى العاقلة المضحية فى فيلم «بنات اليوم»، وهى نعمت الفلاحة البسيطة فى فيلم النداهة، وهى المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد فى فيلم جميلة، وهى نعيمة بائعة الجرائد التى يحفظ الجميع طريقتها وهى تنادى على بضاعتها «أخبار أهرام جمهورية» فى فيلم «بياعة الجرايد»، وهى الصحفية التى تكتب عن الحرب والجنود والاعتداءات الصهيونية فى فيلم «العمر لحظة»، فضلا عن أدوارها الدينية الشهيرة، فهى حبيبة التى دخلت الإسلام وتحملت التعذيب حتى فقدت بصرها فى فيلم هجرة الرسول، وجميلة فى فيلم انتصار الإسلام، وهند الخولانية زوجة بلال مؤذن الرسول فى فيلم «بلال».
قدمت للسينما عددا من أهم الأفلام الاجتماعية والدينية والوطنية والتى تم تصنيف عدد منها فى قائمة أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما، تحمل حياتها الشخصية بعض ملامح الشخصيات التى قدمتها على الشاشة، فهى تنتمى لعائلة الصباحى المعروفة بمحافظة المنوفية والتى تمتلك العديد من الأملاك بقرية مصطاى التابعة لمركز قويسنا، وكان والدها من كبار موظفى وزارة المواصلات، واسمها الحقيقى عفاف على كامل أحمد عبدالرحمن الصباحى ودرست فى المدارس الفرنسية، وأثناء دراستها بمدارس الراهبات وقبل أن تكمل سن 15 عاما ذهبت ماجدة فى رحلة مدرسية إلى استوديو شبرا، فشاهدها المخرج سيف الدين شوكت، ووجد فيها مواصفات الفتاة التى يبحث عنها لتقوم ببطولة فيلم «الناصح» عام 1949 أمام إسماعيل ياسين، وافقت الفتاة دون أن تخبر أسرتها وصورت الفيلم سرا وفى مواعيد المدرسة، وخدمتها الظروف الأسرية فى هذه الفترة، حيث كانت والدتها مريضة تجرى جراحة داخل أحد المستشفيات، ووالدها فى عمله طوال الوقت، وشقيقها توفيق منشغل بأعماله التجارية وشقيقها مصطفى طالب بكلية الشرطة وأختها الكبرى مشغولة مع خطيبها فى التجهيز لتحضيرات الزواج.
وقفت الفتاة الصغيرة أمام الكاميرا لأول مرة أمام العملاقين إسماعيل ياسين وفريد شوقى، وحاولت الابتعاد عن الصحافة حتى لا ينكشف أمرها، كما غيرت اسمها إلى ماجدة، ولكنها فوجئت ذات يوم بما كتبه إحسان عبدالقدوس عنها فى جريدة روز اليوسف تحت عنوان: «رحيق الشفق..انتظروا بنت أحد كبار موظفى الدولة تقوم ببطولة فيلم سينمائى بجوار إسماعيل ياسين»، وبدأ القراء يسألون عن هوية هذه البطلة ويرسلون لإحسان بعض الأسئلة والاستنتاجات، فاضطرت الفتاة لمصارحة والدتها، انهارت الأم، وضربها شقيقها مصطفى وأنقذت الأم ابنتها من يد الأب الذى أراد قتلها، ورفعت الأسرة دعوى قضائية على الفيلم ومنتجه يتهمونه باستغلال فتاة قاصر، وتم وقف عرض الفيلم بقرار من النيابة، حتى توسل المخرج للأب ليتنازل عن القضية ويوافق على عرض الفيلم لأنه سيخسر كل أمواله، وبعد عناء وافق الأب بشروط صارمة، وتم عرض الفيلم ونجح نجاحا كبيرا.
تهافتت شركات الإنتاج على البطلة الجديدة وبدأت رحلة نجومية ماجدة التى أطلق عليها لقب عذراء الشاشة، وظلت طوال 5 سنوات لا تذهب إلى التصوير إلا بمرافقة أحد أفراد أسرتها.
لم تكتف النجمة بالتمثيل وبطولة الأفلام التى أصبحت علامات فى تاريخ السينما ولكنها أسست شركة إنتاج عام 1958 وأنتجت عددا من الأفلام المهمة، قدمت من خلالها عددا من النجوم، وفضلا عن الأفلام الاجتماعية ومنها أين عمرى، ومن أحب، والمراهقات الذى تم تصنيفه كأحد أهم الأفلام فى تاريخ السينما، أنتجت شركة أفلام ماجدة عددا من الأفلام الوطنية والدينية، وقالت إنها خاضت هذه التجارب المهمة للتاريخ والوطن والفن، ومنها فيلم «العمر لحظة» الذى تحدث عن فترة النكسة وجرائم إسرائيل وحرب أكتوبر، وأفلام دينية ومنها: هجرة الرسول، وعظماء الإسلام، وكان من أهم الأفلام التى أنتجتها ماجدة فيلم «جميلة»، الذى تحدث عن بطولة المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد وسلط الأضواء على ممارسات الاحتلال الفرنسى فى الجزائر.
حكت ماجدة الصباحى عن قصة إنتاجها لهذا الفيلم، بعد أن لفت انتباهها تداول الصحف لقضية البطلة جميلة بوحيرد، فجازفت وقررت عام 1958 إنتاج فيلم وطنى وتاريخى عنها، رغم علمها بأن هذه النوعية من الأفلام لا تحقق إيرادات، جمعت كل ما نشر عن البطلة الجزائرية، وذهبت إلى الأديب يوسف السباعى لكتابة قصة الفيلم، واستعانت باللجنة العليا للجزائر التى كانت موجودة فى مصر وقتها للحصول على بعض المواد العلمية عن قصة حياة جميلة، ثم ذهبت إلى أكبر الكتاب وهم «نجيب محفوظ وعلى الزرقانى وعبدالرحمن الشرقاوى» لكتابة السيناريو والحوار، وأقامت ديكورات لحى القصبة الجزائرى الذى كانت تعيش فيه جميلة على ثلاثة أفدنة من استوديو مصر، وبالاستعانة بمعلومات من لجنة تحرير الجزائر لتتطابق الديكورات مع مرتفعات ومنخفضات وطرق وسلالم ومنازل الحى، واستعانت بالمخرج العالمى يوسف شاهين ليخرج الفيلم بصورة رائعة.
قصت الفنانة ماجدة شعرها ورفضت الاستعانة بباروكة خلال تمثيل الفيلم، وهددها شبح الإفلاس ولكنها أصرت على استكمال الفيلم واقترضت من البنوك ليخرج بأحسن صورة، وجابت به دول العالم لتعريف الشعوب بالقضية الجزائرية ومأساة جميلة التى كانت تنتظر تنفيذ حكم الإعدام، وأحدث الفيلم ضجة عالمية وقامت المظاهرات فى كل السينمات التى عرض بها فى العالم تضامنا مع الجزائر وللمطالبة بحرية جميلة، وأثار الفيلم غضب فرنسا، واحتجت لدى الدول التى عرضت الفيلم ومنها روسيا، وبسبب ضغط الرأى العام العالمى تراجعت فرنسا عن إعدام جميلة وكتب الشعراء عن البطلة الجزائرية ما يقرب من 70 قصيدة أبرزها ما كتبه الشاعر نزار قبانى بعد مشاهدته للفيلم.
وأكدت ماجدة أنها تعرضت لمحاولات اغتيال فى بيروت من بعض المتعصبين الفرنسيين بسبب الفيلم، الذى قال عنه الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر: «بسبب هذا الفيلم جُسد أمامى حجم الجرم الذى ارتكبناه فى حق الإنسانية، إن هذه الممثلة الصغيرة الكبيرة أسقطت منى الدموع وأنستنى جنسيتى».
وخلال عرض الفيلم فى العاصمة الروسية موسكو، نظم الاتحاد النسائى السوفيتى حفل استقبال للفنانة ماجدة والمخرج يوسف شاهين.
وأدت اللجنة العليا للجزائر وأحمد بن بلة الذى أصبح بعدها رئيسا للجزائر التحية العسكرية عندما شاهدوا الفيلم، وتلقت ماجدة دعوة لزيارة الجزائر بعد تحريرها، وتم استقبالها استقبالا مهيبا، والتقت بالفدائيات الجزائريات، وأقامت كل الوزارت احتفالات عرفانا بدورها، وتم منحها درع المجاهدين الجزائريين.
وتوقفت ماجدة عن الإنتاج وأغلقت مكتبها وشركتها لمدة 10 سنوات كاملة، بسبب الخسائر الجسيمة التى تعرضت لها، ولكنها حازت شهرة عالمية ومثلت مصر فى معظم المهرجانات العالمية وشاركت فى عضوية لجنة التحكيم بمهرجان الهند السينمائى الدولى فى عام 1964، كما شاركت فى عضوية لجنة التحكيم الدولية فى مهرجان موسكو السينمائى الدولى عام 1967، وحصلت على العديد من الجوائز الدولية.
تزوجت ماجدة عام 1963 من الفنان إيهاب نافع الذى كان يعمل طيارا بالرئاسة وشاركها بطولة عدد من أفلامها وأنجبت منه ابنتها الوحيدة غادة، وخلال مسيرتها الفنية الطويلة قدمت ماجدة مسلسلا واحدا هو « قصيرة الحياة»، إخراج نور الدمرداش وشاركها البطولة صلاح ذو الفقار، كما كانت ترفض العمل فى المسرح لعدم رغبتها فى تكرار ما تقدمه على خشبة المسرح كل يوم، ولكنها عشقت السينما ومنحتها كل ما تملك.
تعيش الدلوعة التى منحت السينما عددا من أجمل وأهم الأفلام الجادة مع ابنتها غادة وأحفادها، ورغم ابتعادها تبقى حاضرة بأعمالها العظيمة الخالدة، والتى لا يوفيها أى تكريم.. فشكرا للجميلة التى منحتنا الحب وأعطت الفن والسينما بلا حدود فاستحقت حبا بلا حدود.