"أنا مش من النوع اللى بستسلم وأدوب، ممكن أقرب حبة وأرجع تانى أتوب، أهرب من الناس ومن نفسى ساعات واستحلى إحساس الضياع بين الدروب".. جرعة مركزة من الألم والوجع والضياع والفراغ النفسى تنتابك فورًا عند سماعك هذه الكلمات لأول مرة، وتسرح فى ملكوت عقلك الدفين، لتتذكر كم أنت "صامد" فى وجه آلامك التى تغتصبك من الداخل، وتلك الهوة من الفراغ العاطفي والنفسي التى تبتلعك تدريجيًّا دون أن تدرى، وتحاول تخبئ كل ذلك بابتسامة صفراء ترسمها على محياك لتستقبل بها بداية كل يوم، وتقنع نفسك بأن "الحياة مستمرة" وتضطر أن تتعامل مع كمية بشر وأنت لست فى وعيك حتى يسدل ستار الليل، وترجع إلى "قوقعتك" اليومية بعد منتصف الليل.
حالة من السرحان فى المطلق ربما تنتابك عند تجربتك سماع هذه الأغنية، والتى جسد وجعها بكل احترافية صوت مألوف لدى عشاق المزيكا البديلة فى مصر، أو ما يعرف بوسط الأندرجراوند، وحفر فى أذهان الملايين بأدائه روائع "مرسال لحبيبتي" و"ماتفوتنيش أنا وحدى" و"شيروفوبيا" وغيرها، صوت غير طربى ربما، ولكنه كفيل لكى يطربك بإحساسه فى أداء الأغنية نفسها، يوصل إليك معانى الكلمات التى يؤديها، ولو جربت تخيل استماعك لأغانيه المعروفة بصوت غير صوته ربما لن "يطربك بتاتًا"، فهل يمكن أن يكون المسار إجباريا دون هانى الدقاق؟
بالتناسب مع كمية الوجع التى يمكن أن تشعر بها في كلمات "المقدمة"، فليس هناك أنسب من أن تبدأ رحلتك فى ملكوت الوجع من منتصف الليل، عندما تخفت أصوات الحياة كافة، وينام الجميع إلا "بالك"، لتبدأ أنت فى رحلة إلى ملكوت وجعك وذكرياتك "المنيلة"، فـ"الليل طويل ملوش جيران غير السكات، اللى حزين محتاج يضمه صدر الحارات، الليل جعان دوشة وكلام، عطشان زحام"، كلمات تلخص ما ينتابك من شعور الوحدة المطلقة بعد دقة الساعة اتناشر، وهو ما ستجده فى أغنية "الليل" من ألبوم مسار إجبارى الأول "اقرا الخبر".
بين ادعاء الصمود و"الدنيا ماشية" وبين رغبتك في الانهيار والبكاء، تنتابك مشاعر متضاربة بين اليأس الذى يشدك إلى بحره وأنت لا تعرف العوم، وبين لحظات عابرة من الحماس والإصرار على بلوغ ما تريد، سواء حلم وعمل وسفر أو علاقة حب، خذ دفعة من الأمل المختلطة باليأس، تجسدهالك رائعة "بقيت حاوى بقيت غاوى فى عز الجرح أنا مبكيش، بقيت عارف أطلع من ضلوع الفقر لقمة عيش"، وركز فقط فى الكوبليه الملخص لفكرة "حلمك اللى بيضيع وملكش نفس تجرى وراه" فى كلمات "بقيت قادر أدارى الدمعة جوايا ومبينهاش، أنا اتعودت أحلامى أشوفها قدامى وملحقهاش"، وحاول ان تحفر آخر عبارات الأغنية في ذهنك لأنها بمثابة "حكمة حياتية".. "الدنيا دى أصلًا ما تسواش"؟.
ومع ارتفاع معدل "الألم العاطفة" لديك فى ذلك التوقيت، وتشعر بتدفق جرعات من المشاعر المفاجئة ليلًا لتغرقك فى ذكرياته، وتهوى بك إلى هوة الفراغ والحزن الممتزج ببعض لمسات من البهجة المتمثلة فى شعور "أول لمسة" و"أول دقة قلب"، ما عليك سوى تجربة الاستماع إلى "أنا هويت"، لتهيئك للدخول فى وصلة من السرحان العاطفى فيما يلى، مع كلمات "أنا هويت وانتهيت وليه بقى لوم العذول، يحب إنى أقول ياريت الحب ده عنى يزول".
مع كل دقيقة تمر فى هدوء الليل، تتمرمغ تدريجيًّا فى ذكرياتك العاطفية الجميلة، وتتذكر أول" نظرة" فى عيون العشق، وشعور أو دقة قلب، وكل تلك الأحلام الوردية التى خلقتها فى خيالك عندما "وقعت فى الحب"، ولو أردت العودة بالزمن إلى تلك المشاعر الجميلة التى تفتقدها فى لحظات ضعفك تلك فى هدوء الليالى، ما عليك إلا الدخول في "قوقعة" الرومانسية مع إحدى أفضل روائع مسار "ريتك معايا" واسرح مع كلماتها "ريتك معايا تطوفي وسط البشر والزحام وتشوفى حيرتى وخوفى عليكى من دى الآلام، منين أجيبك يا سمره ياللى عيونك دوايا".
وسط انشغال بالك بوصلات العشق الخيالية تلك، ترتفع معها تدريجيًّا رغبتك في "سماع صوت من تحب"، لترسل إليها مرسال عشقك، ولو بمجرد كلمة، ولو بمرجد سماعك أنفاسها، لتطمئن عليها، وتطمئنك بصوتها أن "كل حاجة كويسة"، خذ نفسك إلى رحلة خاطفة لأولى أغانى المسار الإجبارى التى حازت نصيب الأسد من الشهرة، وأكثرها طلبًا فى الحفلات "مرسال لحبيبتى"، والتى عرفتها ربما بصوت علي الهلباوي، ولكن جرب الاستماع إليها بصوت الدقاق فى اللايف، لتشعر بالفرق.
الليل يعنى حنين، حنين إلى ماضى لم يكتمل، وإلى رفقاء لم يكملوا الطريق، إلى لحظات تتمنى لو أنك "غيرت" رد فعلك فيها، وقت تجسدى كلمة "لو" بكل معانيها العاطفية كانت أو الواقعية، فستجدها متجسدة فى رائعة "لو كنت بس ساعتها عارف إن دى اللحظة الأخيرة.. كانت هتفرق فى الوداع".
وربما تزيد عندك جرعات الحنين، وتتحول إلى "مُحن زائد" إن جاز التعبير، أو ما يمكن اختصاره فى "الحب اللى بيذل"، و"الحب اللى بيضعف" عندما تتعلق بما ليس لك، لتدخل فى حالة "رضوخ" لمن تحبه، حتى وإن تتنازل، لتتفاجأ بأنه تركك فى نهاية المطاف، وأدخلك فى حالة "شيروفوبيا"، جسدتها الممثلة سلمى أبو ضيف، وعبرت عن مكنونات إحساس الدقاق فى الغناء فى تمثيل الحالة.
بعد تلك الرحلة الطويلة فى ملكوت الوجع على طريقة مسار إجبارى، تمكن الدقاق أن يكون أول خيار رسمى أمام أحمد مراد عند التفكير في مطرب يجسد حالة "شخصية" رواية موسم صيد الغزلان الرئيسية، ليتفق عليه هو والموزع محمد الفرا الذى وزع، وشارك فى تلحين الأغنية مع الدقاق، وتم تسجلها عند عودة الدقاق من حفلتها مع مسار إجبارى بالأردن منذ حوالى 10 أيام في استوديو الفرقة بالمعادى.
بعيدًا عن مغامرة كون أغنية "موسم صيد الغزلان" أول أغنية دعائية تقود حملة تسويقية لرواية شهيرة، إن كنت ممن عاشوا هوس الرواية نفسها وقرأتها وتعايشت مع أوجاع بطلها، فعند تشغيلك للأغنية، ستجد نفسك أمام "ملخص غنائى" لقصة الرواية نفسها، من منظور الألم والوجع النفسي عامة، فهى ليست مجرد أغنية ربما تفهمها أنها مجرد أغنية حزينة مع لمسات عاطفة، وإنما تمكن "الدقاق" بصوته الأجش، أن يجسد أوجاع فصول الرواية كاملة بأدائه للأغنية.