كان الصغير قد سبق والتحق بإحدى مدارس الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم قبل التحاقه بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية وحفظ أجزاء من القرآن ساعدته طوال حياته على إتقان اللغة العربية وسلامة مخارج الألفاظ ومنحته مع صوته الأجش قوة فى التعبير والإلقاء ظهرت حين وقف على كرسى أمام ميكروفون الإذاعة المدرسية وألقى الكلمة التى كتبها مدرس اللغة العربية، وبعد أن انتهى اهتزت المدرسة بتصفيق الطلبة والمدرسين إعجابا، وشعر الصغير بالنشوة والفخر.
كان لهذا الموقف تأثير كبير على الصغير الذى قرر أن يثقف نفسه ويتجه للدراسة الأدبية، وعرف حلاوة تصفيق الجمهور، فقرر أن ينمى قدراته الفنية ومهاراته فى التمثيل والإلقاء.
بصوته الأجش القوى جلس الفنان الكبير يوسف شعبان يستعرض مسيرة حياته الفنية الزاخرة بروائع الأعمال الفنية، تنظر إلى تعبيرات وجهه وقوة شخصيته فترى ذكاء وحكمة الحاج درويش فى مسلسل «الوتد»، ورزانة وقوة اللواء محسن ممتاز فى «رأفت الهجان»، تستعيد مع حديثه أمجاد روائع الدراما فى عصرها الذهبى، تتذكر حافظ رضوان فى «الشهد والدموع»، والحاج سلامة فراويلة فى «المال والبنون»، وأمجد هاشم فى «ضمير أبلة حكمت»، والمعلم سيد أبو ليلة فى ليالى الحلمية، ورزق الهلالى فى السيرة الهلالية، والأستاذ إلهامى فى «امرأة من زمن الحب»، ووهبى السوالمة فى الضوء الشارد، والأستاذ يوسف فى الحقيقة والسراب، والأسطى سيد فى عيلة الدوغرى، وليلة القبض على فاطمة وغيرها عشرات الأدوار والشخصيات الراسخة فى ذاكرة الفن والجمهور.
ورغم قلة أفلامه السينمائية مقارنة بأعماله الدرامية تبقى مشاركاته فى عدد من روائع الأعمال السينمائية دليلا على طاقاته الفنية التى لم تستغل بكاملها، فالنجم الذى امتلك مواصفات الجان فى شبابه حتى وإن لم يحصل على أدوار البطولة أو الفتى الأول وقف أمام عمالقة الفن وشاركهم أقوى الأفلام، فمن ينسى جلال العريس فى «أم العروسة»، وسلامة فى «بياعة الجرايد»، وفرج فى «زقاق المد»، ورؤف فى «حمام الملاطيلى»، وعصام فى «الثلاثة يحبونها»، وعباس فى «الرصاصة لا تزال فى جيبى»، والوزير أحمد ثابت فى «هدى ومعالى الوزير»، وطلعت الحلوانى فى «كشف المستور»، ويوسف فى «قضية سميحة بدران» والعقيد مدحت فى «ليلة القبض على بكيزة وزغلول»، وغيرها عشرات الأدوار المتنوعة.
بداية الرحلة فى حى شبرا
جلس الفنان الكبير يحكى عن بداية الرحلة فى حى شبرا مسقط رأسه: «أنا الابن الكبير لأسرتى وماكنش فى حد فى العيلة عنده ميول فنية».
يضحك قائلا: «أبويا كان بيحب يغنى، ودنه حلوة لكن صوته وحش، وفى بداية تعليمى التحقت بمدارس المحافظة على القرآن الكريم حتى سن 10 سنوات وحفظت أجزاء من القرآن ساعدتنى على سلامة اللغة العربية وبعدها انتقلت لمدرسة الإسماعيلية بشبرا».
«على من يرغب الانضمام لفريق التمثيل التواجد فى مدرج الطبيعة بعد انتهاء الحصص».. كانت هذه العبارة التى قرأها الطالب يوسف شعبان بعد التحاقه بمدرسة التوفيقية الثانوية بداية الرحلة فى طريق الفن: «توجهت إلى مدرج الطبيعة فوجدت عددا من الزملاء الذين أصبحوا نجوما بعد ذلك، ومنهم بليغ حمدى وحمدى أحمد وغيرهم، وكان الفنان صلاح سرحان الشقيق الأكبر للفنان شكرى سرحان يشرف على المسرح المدرسى ويعد رواية لتقديمها على مسرح الأزبكية واستصغرنى وقال لى تعالى العام القادم، وبالفعل فى العام التالى أعطانى دورا فى مسرحية «سالومى» وحصلت على جائزة عن أول دور فى حياتى.
يستعيد ذكريات البدايات والأحلام: «لم أفكر فى احتراف التمثيل وكنت رياضيا وحصلت على بطولة المدارس فى المبارزة والسلاح وبعد حصولى على التوجيهية فكرت فى الالتحاق بكلية عسكرية لأنى كنت لعبى وقلت الكليات العسكرية هتعلمنى الحزم والالتزام، وحلمت بدخول كلية الطيران، لكن والدتى خافت ورفضت، فقدمت فى كلية الشرطة، ولكن لم يتم قبولى فى كشف الهيئة».
التحق الفنان يوسف شعبان بكلية حقوق عين شمس: «منذ أيامى الأولى فى الكلية رأيت لافتة أيضا على لوحة الكلية بأن من يرغب فى الانضمام لفريق التمثيل يأتى بعد انتهاء المحاضرات إلى بوفيه الكلية، فذهبت ووجدت سعد أردش وكرم مطاوع ونجيب سرور وإسلام فارس وصلاح السقا وسعيد عبدالغنى وابراهيم نافع الذى أصبح فيما بعد كاتبا صحفيا ورئيسا لتحرير الأهرام، وكان الفنان حمدى غيث يقوم بإخراج مسرحية هاملت والبطل كرم مطاوع، وشارك فيها نجيب سرور، وشاركت فيها وأتقنت دورى، ونصحونى بالالتحاق بمعهد التمثيل لأنهم جميعا التحقوا بالمعهد إلى جانب الدراسة بالكلية، وبالفعل التحقت بالمعهد وتقدم معى آلاف، ولكنهم اختاروا 10 فقط وكنت أنا منهم بعدما اختبرنى الفنان الكبير حسين رياض، وبعدها تركت كلية الحقوق فى الصف الثالث وتفرغت للدراسة بالمعهد».
أول الرحلة واعتراض العندليب
يحكى الفنان الكبير عن بداية الرحلة وأول خطواته فى عالم الفن: «عندما وصلت للسنة الثالثة بمعهد التمثيل كنا نتقابل فى نقابة الممثلين وكانت عبارة عن شقة فى شارع 26 يوليو كانت ملكا للفنانة تحية كاريوكا، وتبرعت بها لتكون مقرا للنقابة، وكان مساعدو الإخراج بيختاروا طلبة من المعهد للأدوار الثانوية ورشحنى حسن إبراهيم مساعد هنرى بركات مع 3 زملاء لدور فى فيلم «فى بيتنا رجل» واختارنى بركات للدور، وتعرفت على الفنان عمر الشريف ولما عرف أنى فى المعهد كان بيسألنى بتدرسوا إيه ونشأت بيننا صداقة».
يؤكد الفنان الكبير أنه لم يشعر برهبة عندما وقف أمام كاميرا السينما لأول مرة: «وقوفى على المسرح جعل قدمى ثابتة لأن رهبة المسرح أقوى من السينما وكنت وقفت على المسرح أكثر من مرة».
«بعد تخرجى من المعهد شاركت فى فيلم المعجزة أمام شادية وفاتن حمامة وإخراج حسن الإمام وكنت عامل دور رئيس نشالين بيحب شادية، واقتنع بى المخرج الكبير حسن الإمام وآمن بموهبتى، وكان يستعين بى فى معظم أفلامه، ورشحنى بعد هذا الدور لفيلم زقاق المدق، وبعدها توالت أدوارى فى السينما».
يحكى الفنان الكبير عن مشاركته فى فيلم معبودة الجماهير أمام شادية وعبدالحليم حافظ «بعدما قدمت عددا من الأدوار كتبت عنى الصحف أننى أستطيع أن أخطف الكاميرا من الفنان الذى يقف أمامى، ووقتها أراد عبدالحليم أن يكون الممثل الأول فى العالم العربى بعد أن أصبح المطرب الأول، واعترض حليم على مشاركتى فى الفيلم ولكن شادية أصرت على أن أؤدى الدور، لأننى كنت تعاونت معها فى أكثر من عمل، وأصر كل منهما على رأيه وظل الديكور لمدة 3 أسابيع دون تصوير بسبب خلاف شادية وعبدالحليم».
وعن كيفية مشاركته فى الفيلم بعد خلاف شادية وحليم حوله قال الفنان يوسف شعبان: «تفتق ذهن المنتج والمخرج حلمى رفلة أن يسأل كاتب القصة الكاتب الصحفى مصطفى أمين عن من يرشحه للقيام بالشخصية فرشحنى أيضا، فلم يعترض حليم».
يشير يوسف شعبان إلى أن العندليب تعامل معه بشكل جيد أثناء تصوير الفيلم: «عبدالحليم قال لى اوعى تكون اتضايقت منى؟ فضحكت وقلت له «إنت طماع ياحليم عاوز تبقى أحسن مطرب وأحسن ممثل».
وتابع: «لم نلتق بعد انتهاء تصوير الفيلم وحتى قبل سفر حليم الأخير إلى لندن، ولكن قبل سفره طلب العندليب مقابلتى، وكلمنى الحاج وحيد فريد مدير التصوير وقال لى: عاوزك ضرورى وبعدها قال لى تعالى نزور عبدالحليم وعرفت أن حليم قال له عاوز أطيب خاطر يوسف شعبان، وذلك بعدما مرت سنوات طويلة على هذا الموقف».
وبتأثر يقول يوسف شعبان: «شوفى شفافية الفنان وأخلاقه ونقاء قلبه مش عاوز حد يزعل منه، وعندما ذهبت وجدت حليم فى السرير وأخذته بالحضن، فقال لى يعنى إنت مش زعلان منى، فأقسمت بأولادى أننى أحبه ولا أحمل له سوى كل تقدير، وضحكنا معا وبعدها سافر العندليب وتوفى فى لندن».
الوتد
الجان الشرير وسيدة الشاشة العربية
سألناه عن الغيرة الفنية بين نجوم هذه الفترة خاصة أنه كان يحمل مواصفات الجان بما يمتلكه من وسامة وقدرات فنية فأجاب قائلا: «زمان كانت المنافسة لا تصل للخلاف وكنا نهنئ بعض على الأعمال الناجحة ونشجع بعض».
وكشف الفنان الكبير أنه كان سببا فى أن يخفض بعض نجوم السينما أجورهم: «عندما أصبح لى كيان وأصبحت معروفا كانت شركات الإنتاج ونجوم الصفوف الأولى يرون أننى يمكن أن أكون بديلا لهؤلاء النجوم، خاصة أننى كنت أصغر سنا من نجوم مثل رشدى أباظة وغيره، لذلك خفض بعض النجوم أجورهم».
يفسر الفنان يوسف شعبان عدم حصوله على أدوار الفتى الأولى رغم امتلاكه لمواصفات الجان، قائلا: «عملت فى بداياتى أدوار شر فحصرنى أغلب المخرجين فى هذه الأدوار».
يكشف الفنان الكبير أن المخرج حلمى رفلة رشحه للبطولة فى فيلم المعجزة أمام فاتن حمامة، ولكنها لم تكن شاهدته فى أى دور وطلبت صوره وعندما رأته قالت: «أنا فى الفيلم باسيبه وامشى وده شكله لو سبته ومشيت هياكلنى قلمين»، ورشحت بدلا منه الوجه الجديد عمرو الترجمان: «وقتها كان عمر الشريف سافر برة بعد انفصاله عن فاتن حمامة، وكانت تعتقد أن لها الفضل فى اكتشاف عمر الشريف وتريد إثبات أنها يمكن أن تصنع نجما جديدا، فصممت على عمرو الترجمان ولكنه لم ينجح ولم يمثل سوى فى هذا الفيلم فقط».
معبودة الجماهير
صداقة العمالقة
يشير يوسف شعبان إلى أنه شارك عمالقة الفن فى العصر الذهبى ومنهم شادية وفاتن حمامة وماجدة وهند رستم وسميرة أحمد، وبعدهم نادية لطفى وسعاد حسنى التى شاركها ثلاثة أفلام: «الناس كانت بتحترم العمل والمواعيد كنت أذهب قبل موعد التصوير بنصف ساعة وأفاجئ بأن شادية وصلت من ساعتين وعملت ماكياج، واستعدت للمشهد فكنت أخجل من نفسى، وكان هناك رقى فى التعامل وحب وإنسانية وعلاقات طيبة».
«كانت سعاد حسنى من أجمل الوجوه، وكما أسعدت ملايين البشر على الشاشة، كانت بنت نكتة ودمها خفيف ولطيفة مع زملائها، أما نادية لطفى فهى فنانة جميلة ووطنية وعلى استعداد دائم للتضحية من أجل مصر والوطن العربى وكانت تنفق من مالها الخاص لتصوير أفلام عن حرب الاستنزاف ومع الجنود والمصابين فى حرب أكتوبر، وكان لها دور كبير عندما اجتاحت إسرائيل لبنان».
كما يتحدث عن الفنانة شادية التى شاركها أكثر من عمل ودعمته فى بداية مشواره الفنى: «جمعتنى بها زمالة وصداقة قوية استمرت حتى اعتزالها، وكانت مجاملة جدا، وتحب زملائها وتمسكت بى فى فيلم معبودة الجماهير لأنها آمنت بموهبتى».
«كانت تربطنى بالجميع علاقة طيبة ولكن أصدقائى كانوا من خارج الوسط الفنى من الصحفيين والكتاب».
رأفت الهجان
حمام الملاطيلى
يتحدث عن دوره فى فيلم حمام الملاطيلى والذى قام فيه بدور شاذ قائلا: «أنا أول ممثل شرقى مسلم يقوم بدور شاذ جنسيا، وهى الشخصية التى أخذ عنها رامى مالك جائزة الأوسكار مؤخرا، وقتها كان محمد الدسوقى ابن شقيقة أم كلثوم رئيسا لمؤسسة السينما، وكنت مرشحا لنيل جائزة عن هذا الدور، وقال لى إن اللجنة خافت أن تمنحنى الجائزة رغم حصولى على أعلى الأصوات حتى لا يقال إن منح الجائزة تشجيع للشذوذ».
يحكى قصة هذا الدور، مشيرا إلى أن المخرج صلاح أبو سيف عرض الدور على يوسف شاهين قبل أن يعرضه عليه، ولكن شاهين رفض: «سألت صلاح أبو سيف لماذا اختارنى لهذا الدور فأجاب بأنه يحتاج لممثل قوى، فاستفزتنى الإجابة لأننى كنت أشاهد الأفلام الأجنبية وأرى أقوى الممثلين يقومون بهذه الأدوار وقررت أن أقبل الدور، وانقسم أصدقائى إلى فريقين فنصحنى بعضهم برفضه بحجة أنه سيضرنى وينفر منى الجمهور، خاصة أنه وقتها كان الناس أقل وعيا بهذه القضية، فقلت إحنا مش أقل من الأجانب، وقبلت كنوع من التحدى، واستعديت للدور بأنى قابلت عددا من الشواذ وتحدثت معهم».
وتابع: «أردت أن ألفت انتباه الأسر التى كانت تحرص على البنات من الانتهاك الجنسى، وتعتقد أن الأولاد فى مأمن منه، وقد تترك الأسر أولادها فى يد بعض الخدم أو السائقين فيتعرضون للانتهاك ويعتادون على الشذوذ، وكان هذا الدور من أصعب أدوارى».
هجرة السينما
يؤكد أنه رغم بداياته القوية ابتعد عن السينما لفترة طويلة وركز فى الدراما بعد أن أصابها الوهن: «أغلب مكاتب الإنتاج فى نهاية الستينيات والسبعينيات والثمانينيات سافر أصحابها للبنان، وكان الإنتاج ضعيفا والأفلام هزيلة، ولم يسعدنى أن أعمل خلال هذه الفترة، وعانى الفنانون من ظروف صعبة والكثيرون قبلوا أعمالا ضعيفة بسبب الظروف الاقتصادية».
يحكى الفنان يوسف شعبان عن أحد المواقف التى لا ينساها قائلا: «قرأت خبرا خلال هذه الفترة بأن الفنانة الكبيرة نادية لطفى ستقوم ببطولة فيلم مع مخرج ضعيف، فاتصلت بها وسألتها: صحيح هتشتغلى مع فلان ده مخرج ضعيف، فردت عليا ردا لا أنساه، قائلة: لو معاك 5 جنيه ابعتهالى، فسكتت ولم أنطق».
ويشير إلى أنه اضطر تحت ضغط الظروف إلى قبول بعض الأفلام الضعيفة ولكنه حاول بقدر الإمكان أن يختار أفضل ما عرض عليه: «عملت مع صباح فيلمين فى فرنسا وفيلم مع شمس البارودى، وبعدها اتجهت للدراما».