تحل اليوم ذكرى وفاة عملاق المسرح وأحد رواد الفن الفنان الكبير يوسف بك وهبى الذى رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 17 اكتوبر من عام 1982.
وفى حياة الفنان الكبير يوسف وهبى ابن الباشوات والأسرة الأرستقراطية الكثير من الأحداث والمفارقات التى لا يعرفها الكثيرون.
ومن ضمن الطرائف التى حكاها يوسف وهبى عن نفسه ذكرى وموقف لا ينساه عندما كتبت الصحف اسمه لأول مرة فى حياته، حيث حكى لمجلة الكواكب فى أحد أعدادها القديمة، إن اسمه نشر لأول مرة عام 1916 فى جريدة المقطم.
وأوضح عملاق المسرح قائلا:"كان فارس نمر أحد أصحاب الجريدة ويكتب مقالا يوميا يسجل فيه خواطره، وكتب ذات مرة يصف فيها مأساة أب يبكى على مستقبل ابنه الذى كاد أن يضيع بسبب حب الابن لما أطلق عليه «التشخيص» أى فن التمثيل الذى كانت ترفضه العائلات الكبيرة وترفض أن يعمل أبناؤها به، وكان هذا الأب هو والدى عبدالله باشا وهبى".
وكان والد يوسف وهبى ضبطه متلبسا بجريمة التشخيص، وحاول أن يمنعه بالعنف تارة واللين تارة فلم يفلح، فجلس بين أصدقائه ومن بينهم فارس نمر صاحب جريدة المقطم، ليحكى لهم مأساته، فكتب النمر مقالا يقول فيه: «إن لصديقنا عبدالله وهبى ولدا اسمه يوسف، صغير السن ولكنه أصيب بالجنون ويريد أن يشتغل بالتشخيص"
ومن بين المواقف التى لا تنسى فى حياة يوسف وهبى عندما فكر فى تجسيد شخصية سيدنا محمد فى فيلم سينمائى عام 1926 وواجه معارضة وهجوما شديدا وصل إلى حد التهديد بسحب جنسيته؟
وكانت هذه المحاولة كانت سببا فى إصدار الأزهر لفتواه بتحريم تجسيد الأنبياء والصحابة؟
ففى مايو من عام 1926 نشرت صحيفة الأهرام مقالا للكاتب عبد الباقى سرور بعنوان: «كيف يصورون النبى محمدًا»، أشار فيه إلى أن شركة «ماركوس الألمانية»، وبتمويل مشترك مع الحكومة التركية، اتفقت مع يوسف وهبى، على أن يقوم ببطولة عمل فنى يجسد رواية النبى محمد.
وأوضح المقال أن يوسف وهبى التقط لنفسه صورًا فوتوغرافية تظهر الشكل الذى ابتدعه لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وأكد أن مجلة المسرح نشرت موضوعا تشير فيه إلى أن هذه الصورة تشبه صورة راسبوتين.
وأضاف كاتب المقال: فى عرف يوسف وهبى، يكون نبينا محمد رسول الله، وحامل علم الدين الإسلامى وناشر كلمته، يشبه تماما راسبوتين، فما رأى علماء الدين الأجلاء فى هذا العمل؟
وتابع : «ما مبلغ علم يوسف وهبى بالدين وأخلاق النبى عليه السلام وصفاته حتى يقدم على إبراز شخصيته ؟! ألا يعد هذا تهزيئا مؤلما، وإهانة جارحة لكل المسلمين!»
وأكد المقال أن هذا التجسيد يعد تشهيرا بالنبى وتحقيرا لشأنه، واستهزاء بدينه، وإساءة لمعتنقى دعوته وحطا من كرامة المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها.
وانزعج يوسف وهبى من المقال، وفى اليوم التالى رد على ما أثير فى الأهرام بقوله: "اطلعت فى عدد الأمس على مقال كتبه مسلم غيور وبه يشكو لولاة الأمور عن عزمى تمثيل رواية النبى محمد بشكل وهيئة لا تليق بكرامة النبوة ولا تتفق مع عظمة الدين، وذكر أننى طبقا لما نشرته مجلة المسرح صورت شخصية النبى كشخصية الراهب الدنىء راسبوتين "
وتابع: الخبر كاذب، ولا هدف له إلا التشويه والطعن من مجلة أخذت على عاتقها تقبيح كل حسن والنيل من كرامة كل عامل على خدمة وطنه.
ولم ينف يوسف وهبى أنه وافق على القيام بالدور بل فسر قبوله بقوله: إننى إذ كنت قد رضيت أن ألعب هذا الدور فليس إلا لرفعة شأن النبى محمد صلى الله عليه وسلم وتصويره أمام العالم الغربى بشكله اللائق به وحقيقته النبيلة، وليس الغرض من هذا الفيلم سوى الدعوة والإرشاد للدين الإسلامى، وليثق سيدى الغيور أننى أول من يعمل على رفعة شأن ديننا الحنيف،.
وتحدث يوسف وهبى فى رده عن قصة الاتفاق على الفيلم، قائلا: «زارنى بمسرح رمسيس الأديب التركى وداد عرفى، وقدم لى شخصا يدعى الدكتور كروس، وأفهمنى أنه شخصية لها وزنها، وأنه رسول عاهل تركيا الرئيس أتاتورك ومستشاره الخاص وجنسيته ألمانية، وطلب منى أن أحدد موعدًا معه لأمر مهم جدًا، وعلمت فى اللقاء أن (كروس) يمثل مؤسسة سينمائية ألمانية مشهورة، وأنه حصل على موافقة رئيس الجمهورية التركية لإنتاج فيلم إسلامى ضخم كدعاية مشرفة للدين الإسلامى الحنيف وعظمته وسمو تعاليمه، تشارك فى نفقاته الحكومة التركية باسم محمد "صلى الله عليه وسلم" وأنه أعد السيناريو، وصرحت بتصويره لجنة من كبار علماء الإسلام فى استانبول.
وتوجه يوسف وهبى بكلامه فى هذا الرد إلى رجال الدين، وطالبهم بإرشاده إلى الصواب وأن يقولوا له هل يقوم بهذا الدور أم يرفضه، مؤكدا أنه إذا رفض فسيقوم بهذا الدور ممثل أجنبى لا يهمه من أمر الدين شىء.
وفى نهاية الرسالة أكد يوسف وهبى، أنه سيرفض القيام بالدور عن طيب خاطر حتى لو كان سيجنى من ورائه أرباحا طائلة، إذا رأى العلماء ذلك، وأنهى الرسالة بقوله: ليعلم إخوانى المصريون أن شعارى دينى قبل كل شىء.
وبعد نشر الموضوع واجه يوسف وهبى ضغوطا كبيرة وفتحت عليه أبواب جهنم، خاصة بعد تداول أخبار بأنه وقع عقد الفيلم بالتعاون مع المخرج وداد عرفى، وأرسل شيخ الأزهر خطابًا إلى وزارة الداخلية يطالبها بالتحقيق معه ومنعه من القيام بالدور حتى لو اقتضى الأمر منعه من السفر، كما طالب بأن تخاطب مصر حكومة باريس، لمنع تمثيل هذه الرواية.
واستدعت وزارة الداخلية يوسف وهبى وحققت معه وأرسلت ردًا للمشيخة يؤكد فيه أنه سيعتذر فى الصحف عن قبول الدور، وأرسل الملك فؤاد تحذيرًا شديدًا ليوسف وهبى، وهدده بسحب الجنسية.
وقبل انتهاء شهر مايو نشرت صحيفة الأهرام بيانا باسم يوسف وهبى قال فيه: «بناء على قرار أصحاب الفضيلة العلماء واحترامًا لرأيهم السديد، أعلن أننى عدلت عن تمثيل الدور وسأخطر الشركة بعزمى هذا".