مرت علينا بالأمس ذكرى وفاة الفنان أنور وجدي، الذي يعتبر من أهم المؤسسات الفنية الضخمة لأنه ليس فقط مجرد ممثل قوي، بل كان منتجاً ومؤلفاً ومخرجاً وهو ما جعله مؤسسة فنية كبيرة عملت على خدمة وإثراء العملية الفنية بشكل كبير.
اشتهر أنور وجدي بلقب "أمير الإنتقام" بعدما جسد فيلمه الشهير الذي حمل نفس الإسم، الذي كانت تدور أحداثه حول شخصية "حسن الهلالي" البحار الفقير الذي يتعرض لمكيدة من جانب أصدقائه في العمل ويدخل على إثرها السجن تاركا والده وحبيبته يوم زواجه ويستطيع حسن الهلالى الهروب من السجن ويترك له أحد أصدقائه ميراث ضخم ليتحول بعدها إلى ثري ويستخدم هذا الثراء في الانتقام من الأشخاص الذين زجوا به في السجن.
وتصدرت الصحف اليوم كلمة "أمير الإنتقام" من الوهلة الأولى يظن القُراء أن هذا إحياء لذكرى الفنان العظيم أنور وجدي إلا أنه كان عرضاً لإعلان تنظيم القاعدة عن زعيمها الجديد "حمزة بن لادن" نجل القيادي الإرهابي "أسامة بن لادن" وزوج ابنة القيادي الإرهابي "أيمن الظواهري" الذي تتنافى قصة حياته مع قصة فيلم "أمير الإنتقام" التي جسدها الراحل أنور وجدي.
لذا استعرضنا قصة فيلم "أمير الإنتقام" وسوف نستعرض حياة الأمير الجديد لتنظيم القاعدة الإرهابي لنطابقهما كي يتبين لنا هل هو حقاً أمير للإنتقام أم أمير للإرهاب.
وإذا أردنا أن نعرف قصة حياة "حمزة بن لادن" من أولها فلابد وأن نرجع للخلف قليلاً لوالده أسامة بن لادن.
أسامة بن لادن
ولد أسامة بن لادن في 10 مارس 1957 وكان ابنا للملياردير محمد بن عوض بن لادن وترتيب أسامة بين إخوانه وأخواته هو 17 من أصل 52 أخ وأخت، درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة وتخرج ببكالوريوس في الاقتصاد ليتولى إدارة أعمال شركة بن لادن، وتقدر ثروة عائلته بقرابة سبعة مليارات دولار، فمكنته ثروته وعلاقاته من تحقيق أهدافه في دعم المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان، هو مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، وهو تنظيم سلفي جهادى مسلح أنشئ في أفغانستان سنة 1988.
زج بن لادن بتنظيم القاعدة في حروب ضد أعتى قوتين في العالم وهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة حيث حارب الاتحاد السوفييتي إبان غزو أفغانستان وحارب الولايات المتحدة حينما غزت العراق وأفغانستان، وأعلن بالاشتراك مع أيمن الظواهري عام 1998م الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبين والتي نجم عنها لاحقاً ما يسمى الحرب على الإرهاب أو الحملة الصليبية العاشرة.
حمزة بن لادن
كشف التقرير الذي كتبه الباحث حسام الحداد الباحث في الشئون الإسلامية في العام الماضي وبالتحديد يوم 23 مايو 2016 عن شخصية حمزة بن لادن وعن نشأته وحياته كما تنبأ بما يجري اليوم وخطة تنصيب حمزة زعيماً لتنظيم القاعدة الإرهابي خلفاً عن والده الذي قتل في 2 مايو 2011 على يد القوات الأميريكية.
حيث جاء بالتقرير أن حمزة بن لادن ولد في عام 1991، وهو الابن الوحيد لخيرية صابر ثالث زوجات أسامة بن لادن، والحاصلة على شهادة الدكتوراه في علم نفس الأطفال، والأكاديمية السابقة في جامعة الملك عبدالعزيز بمدينة جدة ورافقت أسامة بن لادن منذ تواجده في جدة وحتى إقامته في السودان.
نشأ حمزة مع والداته ثم انتقل مع بعض أفراد أسرة بن لادن إلى إيران في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، وذلك بموجب صفقة بين "القاعدة" وإيران التي احتوت رموز "القاعدة" وأسرهم سنوات عديدة، كان من ضمنهم حمزة بن لادن بعد فترة وجيزة، بعدها استطاع تنظيم "القاعدة" التمكن من إعادة أسرة زعيمه أسامة بن لادن، من إيران إلى مناطق مختلفة فكان من بينهم من توجه إلى سوريا وآخرون إلى باكستان، عبر محاولات ضغط مختلفة من بينها التفاوض على رهائن إيرانيين، وتوجيه خطاب من قبل خالد بن لادن إلى خامنئي بناء على طلب من والده بالتأكيد على أهمية إطلاق سراحهم، ملوحاً بفضح العلاقة المشتركة بإخراج قضية أسرى "القاعدة" وأسرة بن لادن إلى وسائل الإعلام الغربية والعربية.
وكشف أيضا "الحداد" العلاقة التي جمعت بين أسامة بن لادن وبين إيران والتي أظهرتها رسائل وخطابات لرئيس تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، بخط يده، تتناول قضية تعامل القاعدة مع طهران، بحسب وثائق نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وجاء خلال هذه الرسائل حديثاً عن نجله حمزة والذي كان يعيش وقتها في إيران وكانت فحوى هذه الرسائل تظهر العلاقة بين أسامة بن لادن ونجله حمزة وحالة الإشتياق لجلوسهم سوياً ومن ضمن الرسائل رسالة لم تكن للحكومة الإيرانية بل كانت لزوجته خيرية صابر والدة حمزة وكتب فيها أسامة بن لادن بخط يده: بلغنا أن الابن العزيز حمزة لم يصلك بعد وكنا نحسب أنه قد وصلك، وعلى كل حال فأنا قد أعددت رسالة للشيخ محمود أؤكد فيها على ضرورة إرسال حمزة وأهله بأسرع وقت ممكن والرسالة ستوجه إلى الأخوة بإذن الله هذا الخميس 1 صفر.
وكان حمزة أيضا يراسل والده وفي رسالة تم الكشف عنها أيضا كان يقول حمزة لوالده: والدي الغالي منذ العقد تقريباً، وأنا لدي رغبة ملحة في اللقاء بكم، وكلما زادت الفترة زادت الرغبة، وقد بينت لك بعض مشاعري في الرسالة السابقة، وأتمنى أن أجلس معك وأسمع رأيك في كثير من الأمور التي نمر بها ابتداء من الفردية وانتهاء بالأمور الإسلامية والعالمية.
أما عن ظهور حمزة كمجاهد كان أول ظهور له في 2005 بأول مقطع مرئي له ضمن قوة من مقاتلي طالبان استهدفت جنوداً باكستانيين في وزيرستان الجنوبية، وقبل ذلك في 2003 خرجت رسالة صوتية منسوبة إليه، نشرت عبر أحد المواقع التابعة لتنظيم "القاعدة"، يحض فيها أتباع التنظيم في كابول وبغداد وغزة على "إعلان الجهاد ضد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا".
وفي 2008 ظهر شريط فيديو لحمزة بن لادن (17عاماً)، يدعو فيه إلى إزالة بريطانيا وحلفائها من الوجود مهاجماً كذلك الولايات المتحدة والدنمارك وفرنسا.
وفي أغسطس 2015 رصدت رسالة صوتية منسوبة إلى حمزة بن لادن بعنوان: "تحية سلام لأهل الإسلام"، دعا فيها إلى شن هجمات ضد أميركا وإسرائيل، مبايعاً الملا عمر زعيم حركة طالبان حينها، ومشيداً بجهود زعيم "القاعدة في جزيرة العرب" ناصر الوحيشي الملقب بـ"أبو بصير".
ووجه حمزة الذي كما أطلقت عليه الشبكة الإعلامية للقاعدة بـ"الأمير"، التحية إلى زعيم تنظيم "القاعدة" الحالي أيمن الظواهري الذي كما وصفه بـ"رفيق الجهاد مع الوالد"، مشيداً بفروع وأتباع "القاعدة" في (الجزيرة العربية وسوريا وفلسطين والعراق والمغرب والصومال والهند والشيشان وإندونيسيا).
وعن تنبأ الباحث حسام الحداد بأن حمزة سيكون زعيماً لتنظيم القاعدة الإرهابي فقد كتب في تقريره عنه قائلا:
لم يكن خروج نجل الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة" حمزة أسامة بن لادن في التاسع من مايو 2016، في كلمة صوتية له بعنوان "ما لقدس إلا عروس مهرها دمنا"، أمراً مفاجئاً لدى المهتمين بشؤون الجماعات الجهادية المتطرفة، مقللين من أهمية انعكاسات ذلك على واقع الفصائل الجهادية المتناحرة فيما بينها اليوم، فهو لا يعني أكثر من "انتهاء (فترة الحضانة) له من قبل الجهة الحاضنة ومن قامت على رعايته طوال تلك السنوات".
الخروج المتزامن لحمزة أسامة بن لادن (24 عاما)، مع تسجيل آخر لأيمن الظواهري زعيم تنظيم "القاعدة" كلاهما عبر مؤسسة "السحاب"، الذراع الإعلامية لتنظيم "القاعدة"، لا يعني بالتحديد منازعة ما على قيادة التنظيم، وإنما يجسد إعادة هيكلة إدارية لتنظيم "القاعدة" بغرض استيعاب كافة الفصائل والتيارات الجهادية في سوريا، وإنهاء حالة الانقسام والاقتتال فيما بينها.
وهذه الإعادة للهيكلة التي كان يحضر لها أيمن الظواهري خلفت لنا شخصية جديدة لقيادة تنظيم القاعدة الإرهابي وهي شخصية حمزة بن لادن والتي تثبت حياته أنه "أمير للإرهاب" وليس "أمير الإنتقام".