كانت جميلة المظهر والجوهر، حياتها سلسلة من العذاب والشقاء تخللتها فترات سعادة لم تدم كثيرا وتألق ونجاح وصل للعالمية رغم سنوات عمرها القليلة التى لم تتجاوز 37 عاما، عرفت الشقاء منذ طفولتها وعلمت نفسها بنفسها، إنها الفنانة الاستعراضية نعيمة عاكف، التى ولدت وبدأت حياتها فى سيرك والدها بطنطا عام 1929، وكانت الابنة الرابعة التى لم يفرح والدها كثيرا بمولدها بعد شقيقاتها الثلاثة، وكان يتمنى أن تكون ذكرا.
تدربت نعيمة عاكف فى سيرك والدها منذ كان عمرها 4 سنوات وتفوقت على شقيقاتها حتى أصبحت بطلة السيرك ولكن تعرض والدها للإفلاس ورهن السيرك، وانتقلت نعيمة مع والدتها وشقيقاتها إلى القاهرة، رفضت الأم أن تعمل مع بناتها فى الصالات التى شعرت بأنها أرادت استغلالهن استغلالا مشينا وبدأت الفتيات الأربعة يقدمن عروضا فى الشارع حتى يجدن ما يسد جوعهن ويعينهن على الحياة، حتى شاهدهن على الكسار فضم نعيمة إلى فرقته، فتميزت فى الفرقة واستعانت بها بديعة مصابنى، حتى شاهدها عدد من المخرجين واستعانوا عام 1948، من خلال فيلمَى "حب لا يموت" "آه يا حرامي"، وفى عام 1949 ظهرت كراقصة فى فيلم "ست البيت"، لكنها قدمت أول أدوارها التمثيلية من خلال فيلم (العيش والملح) بعد أن أعجب بها المخرج حسين فوزى وتعاقد معها على عدد من الأفلام، وتزوجها.
قدمت نعيمة عاكف مع زوجها حسين فوزى ما يقرب من 15 فيلما، منها: "بلدى وخفة، بابا عريس، فتاة السيرك، جنة ونار، تمر حنة، ياحلاوة الحب، أحبك ياحسن" وبعد عشرة أعوام من الزواج انفصلت نعيمة عن زوجها فى هدوء، ثم تزوجت من المحاسب صلاح الدين عبد العليم وأنجبت منه ابنها الوحيد محمد صلاح الدين عبد العليم، وحصلت نعيمة عاكف على لقب أحسن راقصة فى العالم من مهرجان الشباب العالمى بموسكو عام 1958 ضمن خمسين دولة شاركت فى هذا المهرجان، ولأنها فاتتها فرصة التعليم فى صغرها عوضت ذلك بالاستعانة بمدرسين لتعليمها اللغة العربية والانجليزية والفرنسية حتى أتقنت اللغات الثلاث.
لم تتحدث نعيمة عاكف كثيرا عن علاقتها بربها، ورفضت فى إحدى المرات أن يلتقط لها احد المصورين صورة وهى تصلى، وقالت له أن الصلاة علاقة بينها وبين ربها لا يجب ان تتاجر بها أو تكون محلا للنشر فى الصحافة.
كما كانت الفنانة الاستعراضية تبتعدعن الأجواء الصاخبة وعدسات كاميرات المصورين، خلال شهر رمضان، وتفضل أن تقضى أغلب أوقاتها فى الاعتكاف والالتزام بالصلاة وقراءة القرآن.
وبعد زواجها الثانى قاطعت بدلة الرقص، وكانت تقضى أغلب أوقاتها مع ابنها الوحيد، وأثناء مشاركتها فى فيلمى أمير الدهاء وبياعة الجرايد عام 1963 شعرت بالإعياء، واكتشفت إصابتها بسرطان المعدة ورغم ذلك خرجت من المستشفى، لتستكمل الفيلمين، وبعدها عانت الفنانة الشابة أشد المعاناة مع المرض، لمدة عامين لا يدرى أحد كيف كانت تناجى ربها وكيف تقربت إليه وماذا تحملت وهى تستعد للرحيل بينما ترى ابنها الذى لم يتجاوز 4 سنوات يتشبث بها، ولا يدرك أنها ستفارقه مبكرا، وبالفعل رحلت الجميلة عام 1966 وكان آخر ما نطقت به اسم "محمد" ابنها الذى لم يشبع من حنانها، وفارقت نعيمة عاكف الحياة بعد رحلة قصيرة اختلط فيها التألق بالعذاب، والشقاء بالنجاح، والدين بالفن.