Parasite .. فيلم يستحق التأمل

Parasite Parasite
 
كتب علي الكشوطي

من بين العديد من الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار، نال الفيلم الكورى الجنوبى Parasite، 4 جوائز صنع بها تاريخ جديد للسينما الكورية حيث نال جائزة أفضل فيلم، وفاز مخرجه بونج جون هو بجائزة أفضل مخرج وأفضل سيناريو أصلى وأفضل فيلم أجنبى غير ناطق بالإنجليزية، والمفاجأة الكبرى كانت فى نيل الفيلم جائزة أفضل فيلم حيث تميل الأكاديمية فى أغلب الأحيان لمنحها لأفلام أخرى بعيدا عن الأفلام المرشحة لجائزة أفضل فيلم أجنبى غير ناطق بالإنجليزية.

الإغراق فى المحلية طريق الوصول للعالمية هى مقولة بليغة لخصت نجاح الأديب الكبير نجيب محفوظ ووصوله للعالمية، وهى بكل أريحية واحدة من أبرز عوامل وصول فيلم Parasite الكورى الجنوبى إلى العالمية وحصده أكثر من 198 جائزة عالمية أولها جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان كجائزة من أبرز جوائز المهرجانات العالمية وأخرها تتويجه بـ 4 جوائز أوسكار دفعة واحدة، والباقية تأتى.

فيلم Parasite عمل يستحق الوقوف أمامه والتأمل فى مضمونه، فهو واحد من امتع الأفلام السينمائية، ولقب تحفة سينمائية الذى أطلقه أغلب النقاد على الفيلم هو لقب مستحق، فهو جدير بتلك الإشادات.

اختار مخرج فيلم Parasite بونج جون هو قضية غاية فى المحلية داخل المجتمع الكورى، وهو الصراع الطبقى بين الأغنياء والفقراء وهى المعضلة التى تواجه الكثير من الدول ولاقت تماس كبير بين ما يعيشه المواطن الكورى وغيره حول العالم وهى أبرز نقاط التفاهم التى منحت الفيلم "قماشة" عريضة تحتمل أن تدور أحداثها فى أى جزء بالعالم، فتآكل الطبقة المتوسطة وغيابها الكامل فى بعض الأحيان من نسيج المجتمعات أصبح سمة من سمات اغلب الدول فالفقير يزيد فقرا والغنى يزيد غناه للحد الذى يجعل بعض يعيش فى حالة انفصام عن الواقع الذى يعيش فيه مجتمعها وربما تتعرف عليه على بعض خطوات عن منازلهم الفارهة.

يكشف فيلم Parasite العوار الذى يعيش فيه مجتمع الأغنياء وهو ما حرص مخرج الفيلم وصاحب السيناريو على ادراجه داخل العمل على لسان ابطاله فمن المقولات التى تكشف ذلك العوار هو ما قالته تشو يو جونغ داخل الفيلم حيث قالت عن أزياء الهنود الحمر التى يرتديها نجلها بالفيلم بأن تلك الأزياء اشترتها من أمريكا كنوع من التباهى بأنها جيدة الصنع وهى الجملة التى تتضمن فى فحواها مدى قدرة الولايات الأمريكية على خداع العالم فهى من اهدرت دماء الهنود واحتلت ارضهم وبنت حياتها بالكامل فوق انقاض حضارة الهنود الحمر، لكنها تصنع أزيائهم وتبيعها فيتباهى بها الأغنياء حول العالم دون الالتفات أو التلميح حتى لذلك التناقض.

حمل السيناريو أيضا الكثير من الجمل التى تفضح عوار المجتمع فاللطف ارتبط بالثراء فالمرأة الغنية من المؤكد انها ستكون لطيفة، وجملة أن المال كالمكواة يفرد الجلد ولا يسمح بظهور التجاعيد وغيرها من الجمل الرنانة التى لا تنسى ابدا وتعبر عن مدى عمق تلك الفجوة بين مجتمع الفقراء والأغنياء.

3  عائلات تمحورت حولهما قصة Parasite العائلة الأولى والتى يفتتح بهم مخرج الفيلم عمله، هى اسرة فقيرة مكونة من أب وأم وابن وابنة، يسكنون ما يعرف لدينا بالبدروم، يعيشون على حد الكفاف ويطل بدرومهم على منظر وحيدا ومتكرر وهو الجزء الأسفل من المارة وفى أغلب الأحيان يتخذون من شبابيكم ساتر للتبول والتخلص من الفضلات الأدمية.

تعيش تلك العائلة كالطفيليات تتغذى على من حولها فهم يولجون إلى عالم الإنترنت من خلال شبكة جيرانهم يستغلون نقاط ضعف من حولهم للهيمنة عليه ومص دمائهم كالكائنات الطفيلية التى تلتصق بالعائل وتتغذى من غناءه.

تلك الأسرة والتى بالمناسبة هى ليست اسرة شريرة أو تسعى للإيزاء من حولهم وانما تقودهم الظروف المادية لذلك، وربما يتألمون من داخلهم ويأنبهم ضميرهم على ما تسببوا فيه، حيث حصل الابن على وظيفه مدرس للغة الإنجليزية لابنة اسرة غنية ليدبر هو لفتح الباب امام شقيقته ووالده ووالدته للعمل فى نفس المنزل من خلال الإيقاع بموظفى هذا المنزل واستبدالهم بأفراد اسرته.

الاسرة الثانية هى الأسرة الغنية التى تضاهى الأسرة الفقيرة فى عددها مع الفرق الشاسع بينهم فالأولى لا تعرف منعى للرفاهية أما الثانية فالرفاعية لديهم هى أسلوب حياة، يشترون أزياء الهنود الحمر من أمريكا والخيام أيضا، يخدهم الفقراء ولكنهم لا يحبون رائحة أجساد هؤلاء الفقراء، يتباهون بأنهم يسكنون فى نفس المنزل الذى سكنه وصممه أحد المهندسين المشهورين.

أما الأسرة الثالثة وهى مكونة من فردين فقط الزوجة والتى كانت تعمل مديرة لهذا المنزل الراقى وزوجها الذى اخفته داخل قبو لا أحد يعلم مكانه لتطعمه وتحميه من الدائنون ممن يطالبونه بالدفع فهو لا يرى الشمس لمدة 4 أعوام.

المحاولة لرصد عنصر متميز واحد أو اثنين فى الفيلم سيكون ظلم لتميز باق العناصر فالإخراج والتصوير والسيناريو والأداء التمثيلى والموسيقى التصويرية جميعهم عناصر تميز جمعت فى عمل واحد، ولكن سرد الأحداث وطريقة الحكى التى انتهجها المخرج هى واحدة من أهم سمات نجاح العمل فتشابك وتقاطع الخطوط الدرامية بين أبطال الفيلم وتصاعد الأحداث والمزج بين الكوميديا السوداء والدراما القاتمة دليل على مخرج متملك من أدواته وقادر على رصد مواطن القوة لدى فريق عمله.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر