يكفى أن يظهر فى مشهد واحد من العمل الفنى حتى يرسخ فى ذاكرتك بأدائه الصادق العبقرى، فتحفظ عباراته عن ظهر قلب، الأستاذ عبدالحق الموظف البسيط المحافظ المتدين فى فيلم مراتى مدير عام، الذى يرتدى القبقاب استعدادًا لإعادة الوضوء، قائلا: "ابن حنبل قال تنقض"، وعلى الطواف فى مسرحية ومسلسل عيلة الدوغرى وهو يردد: «نفسى ألبس جزمة ياسى حسن»، كما نذكر جيدًا وجه البقال الذى وقف مذهولًا بينما تلتهم الطفلة قطقوطة الجبن من أمامه فى فيلم «دهب»، وبكينا ونحن نرى أداءه العبقرى فى «فيلم القاهرة 30»، حين جسد انفعال والد محفوظ عبد الدايم بعدما اكتشف أن ابنه يبيع شرفه للباشا ويسمح له بمعاشرة زوجته.
إنه الفنان الكبير شفيق نور الدين الذى تحل ذكرى وفاته اليوم حيث رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 13 فبراير من عام 1981.
ولد الفنان الكبير شفيق نور الدين فى 15 سبتمبر عام 1911 بقرية بجيرم مركز قويسنا محافظة المنوفية لأب يعمل تاجرًا فى بورصة القطن، وأم رحلت قبل أن يكمل سن الحادية عشرة وتركته هو وشقيقته الصغيرة مع والدهما الذى تزوج ابنة شقيقها.
وفى حورا أجريناه مع ابنته سمية نور الدين قالت أن والدها كان يعشق التمثيل منذ طفولته وكان يشاهد عروض الفرق المتجولة ويجمع أطفال القرية فى الجرن أمام منزله وكونوا فرقة تمثيل وكان يقوم بدور المخرج والمؤلف والممثل.
أتقن الفنان شفيق نور الدين اللغة العربية من كتاب القرية والتحق بمدرسة الصنايع التى كانت تعطى شهادة تعادل كلية الهندسة وقتها، وكان يحب الميكانيكا والأعمال الهندسية ولكن حبه للتمثيل شغله عن المذاكرة فلم يكمل دراسته، وكان يأتى إلى القاهرة بين حين وآخر ليحضر بعض المحاضرات لزكى طليمات.
التحق شفيق نور الدين بالفرقة القومية للتمثيل كملقن فى البداية مقابل 3 جنيه شهريا، لعبت الصدفة دورها فى انتقال الفنان شفيق نور الدين من العمل كملقن فى الفرقة إلى ممثل عندما غاب أحد الممثلين أثناء عرض مسرحية «ملك القطن» فوجد المخرج الحل فى الاستعانة بملقن الفرقة لأداء الدور، وحانت الفرصة كى يثبت تفوقه فى التمثيل وبالفعل نجح فى أداء الدور، ثم توالت عليه العروض المسرحية.
أبدع شفيق نور الدين فى مئات المسرحيات التى كانت علامات فى تاريخ المسرح القومى ومنها عيلة الدوغرى، ملك القطن، أم رتيبة، سيما أونطة، المحروسة، السبتية، سكة السلامة، بير السلم، المسامير، وسهرة مع الحكومة، كوبرى الناموس، القضية، إضافة إلى عشرات البرامج والمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية والأفلام السينمائية التى أدى فيها دور الفلاح واليهودى والبخيل والموظف والقاضى.
وعن حياته الشخصية قالت ابنته سمية نور الدين: "كان أبى حريصًا أن نكون بعيدين عن الوسط الفنى ولم يكن يحب الحفلات والسهر، ورغم موهبتى رفض أن أمثل أو ألتحق بمعهد الفنون المسرحية، وقال لى احنا فلاحين وأنا خايف عليكم، فدخلت كلية التجارة، ولكنه وافق أن يحترف شقيقى نبيل التمثيل".
وتفسر الابنة لماذا أطلق على والدها لقب لقب زعيم الفلاحين والممثل الفلاح، قائلة:" كان أبى معروفا بصفاته وطبعه الريفى المحافظ، وكان زملائه يضحكون ويقولون هنعمل رابطة للفنانين الفلاحين ومنهم حمدى وعبدالله غيث أبناء محافظة الشرقية ويكون والدى زعيم الرابطة، وكان أبى يحلم بتكوين ثلاثى فنى يتكون يجسد فيه شخصية الفلاح، ويجسد الفنان محمد رضا شخصية المعلم والفنان عبدالغنى النجدى شخصية الصعيدى ولكن لم يسعفه العمر"
تحكى سمية نور الدين عن شخصية والدها فى المنزل فتقول: «كان شديد الحنان خاصة مع البنات، ومهما قست عليه الظروف لم يكن يظهر لنا أنه يعانى، وكان كريمًا وينفق كل ما يملكه لإسعادنا»، تضحك الابنة قائلة: «عندما كنا نطلب منه شيئا ولا يكون معه مالا يبتسم ويقول: طبعا إن أبانا على كل شىء قدير». وكان أبى خفيف الظل وشديد الثقافة ويمكنه التحدث فى أى موضوع».