تظل الحدوتة هى الأقرب لقلب الإنسان وأذنه ويبدأ ارتباطه بها منذ حكايات أمه له فى فترة الطفولة بهدف إيقاف بكائه أو تخفيف حدة مرضه وعندما يكبر هذا الطفل يبحث عن حواديت تحمل مزيدا من الإثارة والتشويق.. وبداخل كل حدوتة مثيرة شخصية أو أكثر تكون سببا لهذه الإثارة وربما تكون الشخصية _ حقيقية كانت أو خيالية_ هى سبب كل هذه الإثارة أو الكوميديا داخل الحدوتة.. وعادة ما يرتبط الناس بالشخصية الشهيرة بنوع غريب من الارتباط.. فيستحضرها الرجل أمام زوجته مثلا عند العراك ويستحضرها الصديق أمام أصدقائه فى جلسات الفرفشة وأحيانا ما يوظفها السياسيون فى مواقف وأزمات سياسية كانت أو أجتماعية إن كانت مقولاتها تحمل فلسفة ما أو طريقة مضحكة للتخفيف من حدة الأزمات.. وقد ارتبط المصريون والعرب بعدة شخصيات خيالية منذ ازدهار فن المسرح والسينما ببدايات القرن العشرين.. ولأننا لم نكن نملك مسرح مصرى وبالتالى نصوص مسرحية كتبت من الواقع المصرى لتقدم شخصيات ونماذج مصرية فكانت كانت أغلب النصوص المقدمة آنذاك أما مترجمة أو ممصرة _ أى عُدلت لتكون مناسبة للجمهور المصرى _ حتى لمع نجم نجيب الريحانى وأصبح له جمهوره الخاص ومسرحه الخاص.. لكن ظل الرجل العفوى وصاحب الكاريزما الكبيرة يدور فى فلك النصوص المترجمة أو الممصرة.. وبدأ البحث عن نص أو شخصية تناسبه شريطة أن تكون مصرية خالصة.
كان الريحانى فى عشرينات القرن الماضى يقدم نصوصا كوميدية قصيرة على مسرح "روزاتى" فجاءت له الفكرة من خلال عمله السابق بالبنك الزراعى عندنا كان يأتيه عُمّد وأعيان الفلاحين لطلب قروض من البنك وكان أغلبهم أما مضحوك عليه أو لعوب.. فاختلق الريحانى شخصية كشكش بيه كعمدة من الفلاحين بعمة وقفطان ورغم ثرائه إلا أنه لعوب ورغم مغامراته فى المدينة لكنه فلاح طيب القلب ويحبه الناس لفكاهته الدائمة.. وكتب الريحانى أو مسرحياته لكشكش بيه وأخرجها وكانت بعنوان " تعاليلى يا بطة" ورغم تخوفه من فشلها إلا أنها حققت نجاحًا جماهيريًا كبيرا.. ليكتب بعدها عشرات النصوص لكشكش بيه وليصبح كشكش بيه رمزًا للفلاح فى ذلك الوقت بل يصبح مضرب الأمثال بين المصريين.. وقد قال عنها زكى طليمات أنها أنزلت هزة عنيفة بالمسرح المصرى الناشئ.
وكان المنافس له فى ذلك الوقت "عثمان بربرى مصر الأول" وهى الشخصية التى ابتكرها ابن البلد العبقرى على الكسار.. ليكون عثمان هو المنافس الأول والدائم لكشكش بيه لتصل هذه المنازلات المسرحية إلى قمة اهتمام الأهالى من جمهور المسرح وغيره.. فقد كانا يعبران بالفعل عن قضايا وهموم فلاحين مصر وأهل الجنوب وهم أغلب سكان وقتها.. ومن المؤسف حقا أنه لم يتم تصوير وتسجيل بعض المسرحيات.