المنسيون فى الفن.. صالحة قاصين أول سيدة للمسرح العربى وأحبها نجيب الريحانى

صالحة قاصين هى نجمة الحلقة الجديدة فى سلسلة المنسيون فى الفن، وهم كما ذكرنا من قبل كوكبة من الفنانين الذين أمتعونا بأدوارهم حتى ولو كانت صغيرة، لكن الكثير منا لا يعرف أسماءهم الحقيقية وقصص حياتهم وكيفية دخولهم عالم الفن وهم بالمناسبة ليسوا كومبارس بقدر كونهم فنانين لهم أدوار مؤثرة فى السينما أو يقدمون أدوارا مساعدة، وبعضهم تطور من تقديم أدوار صغيرة لتقديم أدوار أساسية فى الأفلام مع أبطالها، وحقهم علينا أن نعرف الجمهور بهم؛ ليعرف أسماءهم مثلما يحفظ وجوههم، وهم بالمناسبة يتعدى عددهم الـ1000 فنان وفنانة.

ـ من فضلك يا ست هانم تناولينى الإزازة اللى جنبك 

ـ البزازة !! 

ـ بقولك الإزازة

ـ إيه بتقول إيه؟ بتدوّرعلى جوازة!

جميعنا يتذكر هذا الحوار بين الفنان إسماعيل ياسين والفنانة صالحة قاصين فى فيلم "لوكاندة المفاجآت" تلك العجوز ثقيلة السمع التى أضحكتنا كثيرا فى عدة أفلام بالشخصيات، التى كانت تقدمها، والتى أغلبها إما تكون عانسا أو عجوزا شمطاء ماكرة، على الرغم من أنها فى شبابها كانت فاتنة الجمال، وأسرت قلب نجيب الريحانى، الذى ارتبط بها قبل اشتغاله بالسينما، ولولاها لما كان لدينا نجيب الريحانى الفنان، فهى التى دفعته للعمل فى الفن، وغيرت مساره من وظيفة متواضعة إلى نجم كوميدى أول فى مصر.

صالحة قاصين هى بالفعل نجمة منسية لكثير من الأجيال، ويكفى لإثبات نجوميتها أنها هى سيدة المسرح المصرى الأولى، بل العربى أيضا، فهى أول سيدة تقف على خشبة المسرح، بعد أن كان كل أدوار السيدات يمثلها رجال.

محمود حجازى، شقيق الشيخ سلامة حجازى، عندما تعرف على صالحة قاصين عرض عليها التمثيل، واكتشفها، فكانت أول امرأة تمثل فى تاريخ مصر والعالم العربى، عندما وقفت على خشبة المسرح فى مسرحية "ضحية الغاوية" لفرقة سلامة حجازى عام 1904، لتكسر أداء الرجال لأدوار النساء حسب السائد آنذاك، ثم انتقلت إلى فرقة الفنان الكبير عزيز عيد، ومنها إلى فرقة نجيب الريحانى، بعدما دفعته للتمثيل بعد قصة حب بينهما، وكان الجمهور يستمتع بأدائها على خشبة المسرح، ويستقبلها ويودعها بالهتاف والتصفيق والورود، وطالما تحدثت الصحف الفنية عنها أيام مجدها، وعن ثرائها وفتنتها، حيث يقال إنها كانت تكسب مائة جنيه ذهبا فى الشهر. 

"اليهود والسينما فى مصر والعالم العربى" كتاب لأحمد بهجت ذكر فيه أن النجم الكبير نجيب الريحانى وقع فى غرامها، وفى مذكرات نجيب الريحانى نفسه وصفها بأنها حبه الأول، واكتفى بالتلميح لها قائلا: "مهجة القلب السيدة ص" وهو يقصد بها صالحة قاصين، فحب نجيب الريحانى لها أشعل نار الغيرة بداخله، فكان يغار عليها من المعجبين ومن أى شخص يقترب منها، وهو ما تسبب فى مشاكل كثيرة بينهما، حتى أنه طاردها فى كل مكان تذهب إليه، وذات مرة وجدته يقبل يد امرأة فرنسية فنشب شجار كبير بينهما.

ربما يتساءل البعض لماذا لم تتوَّج قصة الحب بين صالحة قاصين ونجيب الريحانى بالزواج؟ وستكون الإجابة هى أن اختلاف الديانة بينهما حال دون تحقيق هذا الحب لزواج، فصالحة يهودية، ونجيب الريحانى مسيحى، ولكنها تزوجت فيما بعد ثلاث مرات، ولم تسعد سوى فى الزيجة الأخيرة، والتى استمرت طوال 11 عاما، وقد وصفتها بأجمل فترة فى حياتها.

حياة صالحة قاصين أشبه بالمسرحية الدرامية فقد بدأت تلك الفنانة نجمة فى المسرح، ولكن انتهت نجوميتها إلى ممثلة تقدم أدوارا صغيرة مع تقدمها فى العمر واقترابها من الستين، خاصة مع ظهور السينما، فقد تعرفت صالحة على شاشة السينما، وشاركت فى حوالى 36 فيلما، أولها "خفير الدرك" لتوجو مزراحى مع على الكسار، ثم "أنشودة الراديو" و"الأبيض والأسود" سنة 1936، وآخر أعمالها هو "شهر عسل بصل" عام 1960 مع إسماعيل ياسين والمخرج عيسى كرامة، ومن أفلامها الأخرى المشهورة: دنانير، انتصار الشباب، السوق السوداء، قلبى دليلى، بنات حواء، وإسماعيل يس فى مستشفى المجانين.

صالحة كان لها شقيقة ممثلة أصغر منها سنا هى "جراسيا قاصين" التى شاركت معها فى بعض الأفلام مثل: "قلبى دليلى" وهى من مواليد عام 1900، وهاجرت إلى إسرائيل فى خمسينات القرن الماضى، وماتت فى حيفا عام 1977، أما صالحة ففضلت البقاء فى مصر، ويقال إنها اعتنقت الإسلام عام 1929، ومع التقدم فى العمر أصيبت بالزهايمر، وعاشت أيامها الأخيرة بعد وفاة زوجها الثالث وحيدة فى غرفة صغيرة استأجرتها فى حديقة منزل الفنان الكبير جورج أبيض، حيث كانت تعيش على بضع جنيهات من نقابة المهن التمثيلية، ومثلها من الأدوار السينمائية الصغيرة التى تُعرض عليها، ورحلت فى 9 أبريل عام 1964 عن عمر ناهز 86 عاما.