إذا تحدثنا عن نهضة السينما والمسرح فى الوطن العربى نجد أعلاما وروادا من أصول لبنانية انتقلوا فى بداياتهم إلى مصر فاحتضنتهم، ووجدوا الفرصة لإنشاء نهضة شكّلت مدارس فنية، تخرج فيها مئات المبدعين، ومن هؤلاء الرواد: جورج أبيض وآسيا داغر ومارى كوينى، وهنرى بركات، وروزاليوسف، وغيرهم.
فلا أحد ينسى تأثير ودور الفنانة المنتجة آسيا داغر المولودة فى لبنان عام 1912، والتى وصلت إلى مصر مع شقيقتها مارى داغر وابنتها الصغرى مارى كوينى عام 1923، وأسست شركة الفيلم العربى للإنتاج وأنتجت فيلم «غادة الصحراء» وقامت ببطولته مع وداد عرفى ومارى كوينى، وعُرض فى القاهرة وبيروت فى نفس العام 1929.
وكان لآسيا داغر دور فى حياة المخرج هنرى بركات ذى الأصول اللبنانية، حيث منحته فرصة ليتحول من مساعد للمخرج أحمد جلال إلى مخرج، وكان وقتها فى الثامنة والعشرين من عمره، وعائدا لتوه من أوروبا، كما اكتشفت العديد من الوجوه الجديدة، سواء فى التمثيل أو الإخراج، منهم: يوسف معلوف وحسن الإمام وإبراهيم عمارة وعبد السلام النابلسى وممدوح شكرى وفاتن حمامة وصباح وصلاح نظمى وأحمد مظهر وسعاد محمد ومحمد سلطان وصلاح ذو الفقار وغيرهم.
وأنتجت آسيا داغر عددا من أهم أفلام السينما المصرية، منها: "رد قلبى، أمير الانتقام، الناصر صلاح الدين، اليتيمتان، لو كنت غنى، معلش يا زهر" وغيرها.
أما الفنانة مارى كوينى فقد كان لخالتها آسيا الفضل فى تقديمها للشاشة فى عدد من الأفلام التى أنتجتها، وفى تلك الفترة تعرفت آسيا داغر بالمخرج أحمد جلال، وتزوجته بعد قصة حب، وكوّنت معه شركتهما الخاصة، لينطلقا بعدها إلى النجاح الذى استمر حتى بعد وفاة احمد جلال، الذى أنجبت منه ابنها المخرج الكبير نادر جلال، ثم اعتزلت التمثيل، وأسست استوديو جلال، ثم أسست مع ابنها شركة أفلام جلال للإنتاج السينمائى.
ومن بين الرائدات اللبنانيات فاطمة اليوسف، التى أصبحت روزاليوسف، تلك المبدعة متعددة المواهب التى قدمت إلى مصر من لبنان وهى صبية يتيمة، واحترفت الفن والمسرح فى بداياتها، وكانت ممثلة مسرحية موهوبة، ولقبت باسم "سارة برنار الشرق"، وبعدها اتجهت للصحافة وأسست مجلة روزاليوسف، التى كانت بداية نهضة صحفية وفكرية، أخرّجت جيلاً كاملاً من الكتاب السياسيين والصحفيين.
وينتمى كذلك عدد من رواد المسرح إلى لبنان، منهم وأهمهم الفنان الكبير جورج أبيض، الذى ولد فى لبنان عام 1880، وهاجر إلى مصر وعمره 18 عاما، وكان مفلسا لا يحمل من الشهادات سوى دبلوم فى التلغراف، وعمل فى بداياته بسكك حديد الإسكندرية.
وفى عام 1904 شاهده الخديوى عباس فى مسرحية سياسية مترجمة تحت عنوان "برج نيل"، فأُعجب به، وأرسله إلى باريس لدراسة الفن، وعاد لمصر عام 1910، وأسس أشهر فرقة مسرحية وقتها، وقدمت فرقته أكثر من 130 مسرحية، كما كان من رواد السينما، وقدم أول فيلم غنائى مصرى، وهو فيلم "أنشودة الفؤاد" عام 1932، وفى عام 1943 انتُخب كأول نقيب لنقابة للممثلين فى مصر.