سيتبادر لذهن البعض أن مسلسل "القاهرة كابول" الذى عُرض مؤخراً ونال أعجاب الجمهور سيكون موضوع المقال .. لكننى سأعود بحضراتكم للقاهرة - كابول وحقائق ما حدث فى نهاية السبعينات من القرن الماضى عندما أخطأ الإتحاد السوفيتى وقتها خطأً تاريخياً كان بداية سقوطه ثم إعلان تفككه وهو غزوه لدولة أفعانستان ولإن السوفيت كانوا قد تحولوا من الدعوة السلمية للشيوعية كبديل للرأسمالية اللعينة التى تمص دماء الفقراء حول العالم إلى احتلال الدول بالقوة طمعاً فى الموارد وزيادة النفوذ .. فقد لاقى السوفيت رفضاً تاماً لوجودهم وبدأت حركة مقاومة مسلحة أفغانية صغيرة .. وهنا وجدت امريكا الفرصة لرد الصاع صاعين للسوفيت الذين قاموا بدعم المقاومة الفيتنامية حتى انتصرت على أمريكا فى حرب فيتنام واسقطت 50 ألف قتيل أمريكى بخلاف المعدات ومليارات الدولارات كخسائر .. حتى ذلك الوقت لم يكن للقاهرة أو الرئيس السادات أى علاقة مباشرة بكابول اللهم إما الشجب والإدانة .. إلى أن تأكدت أمريكا أنها لا تستطيع دعم المقاومة الأفغانية بشكل مباشر فبحثت عن دول حليفة ويفضل أن تكون دولا ً إسلامية .. فاستقرت على باكستان ومصر .. فقد نجحت أمريكا فى إدعاء أن الحرب بين الأفغان والسوفيت هى حرب بين الإسلام والشيوعيين الكفار .. وتطَّلب دعم المقاومة دعماً من كل المسلمين بالمال والرجال .. ومن هنا بدأت أغلب الدول الإسلامية فى دفع ثمناُ ستطول مدته لسنوات قادمة من أجل تنفيذ رغبة أمريكا فى الانتقام من السوفيت وكسر شوكتهم .. بدأت رحلة التبرعات من القاهرة والرياض ودول الخليج صاحبها سفر المجاهدين العرب بالآلاف طوال عشر سنوات حتى تحقق النصر للمقاومة الأفغانية .. فماذا حدث بعدها ؟
تخلت أمريكا عن كابول ولم تهتم بأى عملية بناء أو تطوير بل وتركت جماعات المجاهدين تتقاتل فى حرب أهلية طاحنة وكانت حجة كل جماعة أنها الجماعة الأحق بالحكم والتى تنتهج الشريعة الإسلامية الصحيحة .. أما القاهرة فقد عاد إليها فى بداية التسعينات الألاف من المجاهدين المصريبن والذين عرفوا بالعائدين من أفغانستان .. وكانت أزمة حقيقية بعدما اعلنوا صراحة أن المجتمع المصرى كافر ويلزم جهادهم فيه كما جاهدوا فى كابول .. وسرعان ما طاردتهم أجهزة الأمن لكنهم انضموا سراً للجماعات الدينية المصرية مثل الجهاد والإخوان والسلفيين .. ومرت سنوات من العمليات الإرهابية ومحاولة عمل مراجعات فكرية وصولا ً للمحاولة الفاشلة فى السماح للإخوان بممارسة السياسة من خلال مجلس الشعب .. حتى وصلنا للسنة السوداء التى حكموا فيها مصر بعد ثورة يناير وظهروا على حقيقتهم للشعب المصرى والعالم وهى أنهم رجعيين بامتياز ويؤمنون أنهم الفرقة الإسلامية الناجية والأحق بالحكم والطاعة تماما كما تعتقد الجماعات الأفغانية قديماً وحتى الآن .. ولن يفهم هؤلاء وهؤلاء أن الألاف ممن زحفوا لمطار كابول وتعلقوا بعجلات الطائرات للهرب لم يهربوا من الإسلام ولن يخرجوا من دينهم ولكنهم هربوا ممن يحتكرون الإسلام ويتخذون منه وسيلة للوصول للحكم فيحكموا بكل جاهلية وديكتاتورية تناقض تماما صحيح الإسلام.