نوستالجيا الحنين إلى الماضى، يدفع محبو القديم فى البحث داخل طيات الماضى عن روائع الفن والأدب والتاريخ والثقافة، وتاريخ مصر يشهد مراحل متطورة ومختلفة من التقدم الذى سبقت به مصر عددا من الدول فى الفن والغناء.
عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعى نشروا صورة لأول مطربة ظهرت فى مصر، دلالة أن النساء اقتحمن مجال الغناء منذ القرن التاسع عشر، وهى المطربة ساكنة بك (1801م ـ 1862م) المطربة السكندرية الشهيرة وهى أول مطربة ظهرت فى مصر فى عهد الخديوى عباس الأول.
"ساكنة بك" جاءت للقاهرة وهى صغيرة السن وتعتبر أقدم المغنيات فى العصر الحديث بعد مجموعة من مغنيات العصر المملوكى، كما لمع اسمها فى عهد محمد على، حيث كانت تغنى وتحيى ليالى السمر فى أكشاك الأزبكية، التى كان يغلب على الأداء فيها فرق الشارع أو جوقات الجيش والبوليس وأحيانا مسرح خيال الظل وبعض الموسيقيين ممن يؤدون الغناء الشعبى.
مما ذكر عنها أنها كانت متعلمة لبقة الحديث عذبة اللسان سهلة المعشر أنيسة فى المجالس ذكية وسريعة الخاطر، هادئة جداً فى كلامها قوية فى الغناء، متدينة تحفظ القرآن وقارئة له بصوت عذب، ولشيوع كل هذا عنها أصبحت ممن يدعى إلى القصور لإحياء المناسبات وأضحت تحيى الليالى فى قصور الأمراء كما غنت فى فرح أبناء إبراهيم باشا، كما ذاع صيتها فى عصر عباس الأول ثم سعيد باشا، حيث بزغ نجمها فى سماء الغناء.
غنت المطربة ساكنة باللغة العامية فتعلق بها المصريون كتعلقهم فى منتصف القرن الماضى بأم كلثوم، كما أعجب بغنائها الأتراك أيضاً وذاع صيتها، وفاقت شهرتها الرجال من أمثال عبد الرحيم مسلوب وأحمد الشلشمونى وقصطندى منسى.
اختلفت الأقاويل حول من أطلق عليها لقب "بك"، حيث قيل أن سعيد باشا خديوى مصر هام حباً بها، وكانت تقضى أكثر أوقاتها فى قصوره وأطلق عليها لقب "ساكنة بك" بينما تردد أيضاً أن الخديوى إسماعيل ناداها مرة بـ"ساكنة هانم" فاغتاظت الأميرات فغاظهم أكثر وناداها بـ"ساكنة بك" وأصبح اللقب مقرونا باسمها حتى ماتت.
واستمرت ساكنة تتمتع بالشهرة والمجد الفنى إلى أن ظهرت المطربة ألمظ ذات الصوت الرخيم فتجاهلتها ساكنة فى بداية الأمر، ولكنها لم تستطع صد تيار نجاحها ومنع إقبال الناس عليها، ولهذا رأت أنه من المصلحة أن تضمها إلى فرقتها فتكون فيها تابعة لها وتحت إشرافها. فمكثت ألمظ مدة تدربت فيها على الغناء ثم افترقت عنها وألفت لنفسها فرقة خاصة قضت بها على صيت ساكنة الفنى قضاء تاماً، بعدها تركت ساكنه الغناء بعد أن قضت ألمظ على شهرتها وقضت أعواما طويلة فى دارها بعد أفول نجمها، إلا أنها لم تتوقف عن قراءة القرآن ولا عن مجالس الأدب.
كانت "ساكنة بك" تفتح مضيفتها للزائرين تقرأ لهم القرآن فى ليالى رمضان والمناسبات الدينية وعرف عنها الكرم على الناس إلى حد التبذير، كما كان يصرف لها جراية شهرية من البلاط.
ويقال إنها أول من كان لها هذا من النساء، ومن المعروف أن البلاط كان يدفع راتبا شهريا للكثير من أهل الأدب والنغم والفن آنذاك.
اختلفت أيضا الآراء حول موعد وفاتها إما أواخر عهد الخديوى توفيق أو أوائل عهد الخديوى عباس حلمى الثانى بين سنة 1892 وسنة 1898بعد مرض مفاجئ ألم بها، وماتت دون أن تترك ثروة من ورائها رغم شهرتها إذ كانت كثيرة البذل والسخاء على نفسها وأقاربها وأصدقائها.