كيف تنبأ أحمد بهجت بوفاة أم كلثوم فى كلمتين وبس؟

يشبه الابن أباه ويحاول أن يسلك نفس الطريق، يكرس جزءًا كبيرًا من وقته للعمل مع الأطفال وتقديم أمسيات شعرية غنائية أبطالها أطفال الأحياء البسيطة والعشوائية، ويقول عن نفسه إنه كاتب أطفال ضل طريقه لمجالات أخرى.

 

وفى الحوار التالى، يكشف الشاعر محمد بهجت تفاصيل وأسرار حياة والده صاحب صندوق الدنيا، وقصة زواجه من الناقدة المسرحية سناء فتح الله بسبب حذائها، والجانب الصوفى فى حياته، وتفاصيل تحويل كتابى أنبياء الله وقصص الحيوان فى القرآن إلى مسلسل كارتون دينى، كما تحدث عن برنامجه الإذاعى الشهير كلمتين وبس وكيف تنبأ فيه والده بوفاة أم كلثوم، وأسرار علاقات ونوادر والده مع عمالقة الأدب والصحافة.. وإلى نص الحوار:

 

حدثنا عن نشأة الوالد وبداية ظهور مواهبه؟

 

- الوالد اسمه أحمد شفيق بهجت، وولد فى 15 نوفمبر 1932، ووالده مدرس لغة إنجليزية وناظر مدرسة شديد الصرامة وشديد الحنان، أما والدته فكانت من عائلة رشدى وهى أسرة أرستقراطية، وشقيقها الدكتور رشاد رشدى الكاتب المسرحى الكبير، وكان لها أشقاء بشوات منهم نائب وزير الداخلية ونائب وزير الداخلية، بينما جدى من أسرة متوسطة كادحة، وهذا التزاوج بين الطبقة الارستقراطية والطبقة الكادحة خلق تنوعًا فى شخصية أحمد بهجت، وكان ولدًا وحيدًا بين ثلاث أخوات، أخته الكبرى الراحلة سميحة بهجت صديقة عمره وأقرب أخواته إلى قلبه، واعتاد أن يقتسم معها كل كتاب يقرأه حيث يقرأ هو النص الأول، ويتخيل باقى الأحداث فأصبح شخصية خيالية مبتكرة، بينما تقرأ هى النصف الثانى وتتوقع أحداث الجزء الأول، فأصبحت شخصية عملية والتحقت بكلية الطب، والأخت الوسطى ليلى بهجت مديرة فى البنك الأهلى على المعاش، والأخت الصغرى المدللة نادية بهجت المذيعة بالإذاعة.

 

وكيف بدأت مواهبه الأدبية والصحفية؟

 

- بدأ شغفه بالكتابة منذ كان فى المرحلة الثانوية، ورغم حبه للأدب الرومانسى كان رياضيا يمارس الألعاب العنيفة كالملاكمة ورفع الأثقال والسباحة، وكان يريد الالتحاق بكلية الشرطة، ولم يحالفه الحظ رغم أن أحد أخواله كان مساعدًا لوزير داخلية، ولكن والدته أوصت شقيقها بعدم قبوله خوفًا عليه، وبالفعل أوصى خاله بألا يتم قبوله بكلية الشرطة، فالتحق بكلية الحقوق، ومنذ كان طالبًا تدرب والدى فى مجلة الجيل الجديد، والأخبار، ثم مجلة آخر ساعة، وتنقل حتى ذهب للأهرام، حيث انتقى الأستاذ هيكل عددًا من المواهب الصحفية الشابة من عدة مؤسسات لتعمل بالأهرام ومنهم أحمد بهجت.

 

وكيف بدأ كتابة عموده صندوق الدنيا؟

 

- بعدما التحق والدى بالأهرام وظهرت مواهبه المتعددة اقترح عليه الأديب يوسف السباعى، أن يستغل موهبته فى كتابة عمود يومى ساخر، واختار والدى عنوان «صندوق الدنيا» لتخليد ذكرى أستاذه الذى لم يره عبدالقادر المازنى، حيث كان للمازنى عمود يومى بعنوان صندوق الدنيا، ولكن صندوق أحمد بهجت حظى بشهرة أكبر واستمر فى كتابته أكثر من 40 عامًا.

 

حدثنا عن قصة زواجه من الوالدة الكاتبة الصحفية والناقدة المسرحية سناء فتح الله؟

 

- أبى تزوج من والدتى الكاتبة الصحفية سناء فتح الله عام 58، وكانت والدتى تعمل فى الأخبار، لذلك كتب قصة زواج روميو الأهرام من جوليت الأخبار، وهى الزيجة التى جمعت العائلتين المتصارعتين الأهرام والأخبار، وكتب والدى أن حذاءها لفت انتباهه، حيث كانت ترتدى حذاء بدون كعب يشبه أحذية الرجال، فسألها عن سر هذا الحذاء وأكدت أن هذه الأحذية عملية تناسب العمل الصحفى، وكانت والدتى شخصية قوية وعملية، وجزء من أسباب نجاحه لأنها تحملت مسؤولية البيت والتربية، ليتفرغ للإبداع والعمل الصحفى.

 

وكيف كان أحمد بهجت الأب؟

 

- لم يكن أبا تقليديا وكان حنونا ومتفتحا، ولديه قناعة بأن يتركنى أنا وأخى خالد المخرج السينمائى ليد المشيئة الإلهية، ولكن يرشدنا ويكون معنا وقتما نحتاجه، وكنت أحب عمله وأستمتع منذ صغرى بلقاءاته مع أصدقائه، حيث كان بيتنا يجمع عباقرة الأدب والصحافة والفن، صلاح جاهين وفؤاد حداد، سيد مكاوى، فاروق شوشة، وصلاح عبدالصبور، وكل الشعراء والأدباء والموسيقيين العباقرة، وكان صلاح جاهين يزوره يوميًا ومعه صينية بسبوسة بالقشدة، وارتبطت بعمل والدى منذ كنت طفلًا فى الروضة حتى أننى كنت أملى اسمى فى الحضانة «محمد أحمد بهجت الأهرام»، واعتقدت أن الأهرام اسم جدى، لأننى كنت أسمع والدى يعرف نفسه دائمًا «أحمد بهجت الأهرام»، حتى تم استدعاء والدتى فى الحضانة لتصحيح الاسم وفهمت أن الأهرام مكان عمل والدى وليس اسم جدى.

 

حدثنا عن الجانب الصوفى فى حياة أحمد بهجت؟

 

- كان أحمد بهجت شخصية زاهدة قانعة فرحة، وكأنه حاجز تذكرة بلكون يتفرج بها على الدنيا، ولا يعتد بالمناصب، ويمكننى أن أتحدث عن التصوف فى حياته من خلال علاقته بالكائنات، حيث كان عطوفًا جدًا على الحيوانات وكل الكائنات، وفى إحدى المرات أحضر معه حمار من الشارع اشتراه من صاحبه الذى يعذبه لينقذه ودخل به علينا، وتصادف أنه يوم الاحتفال بعيد ميلاد والدتى، وعندما أصابتها الدهشة قال لها أنه أحضره كهدية لها وربطه فى البلكونة، حتى أقنعته والدتى أن الأصلح للحمار أن يعيش فى مزرعة حياة الحمير الطبيعية، فودعه وتركه فى مزرعة أحد أصدقائه وكان يزوره بين حين وآخر، ولا أنسى أنه فى إحدى المرات ونحن فى الإسكندرية وجد خنفسة مقلوبة على ظهرها، وفوجئت به يمسكها بكل حرص، وينفض عنها الرمال ويعدلها كى تمشى، فقلت له «أنت مش قرفان»، فقال نحن بين يدى المشيئة الإلهية أقل من هذه الحشرة ونتقلب فى الذنوب والأخطاء، ثم تأتى المشيئة الإلهية لتعيدنا للطريق الصحيح وتعفو عنا وتمنحنا فرصة أخرى فكيف لا يكون لدينا نفس المشاعر نحو الكائنات الأضعف.

 

وهل ترجم هذه العلاقة خلال كتابه قصص الحيوان فى القرآن؟

 

- بالفعل صفاته الشخصية ترجمت فى أعماله وكان يحب هذا الكتاب ويعتبره أهم كتبه رغم أن له كتب أكثر شهرة وتوزيعًا مثل «أنبياء الله»، لكن كتاب قصص الحيوان يجمع بين الدين والخيال والإبداع والعلم، وقرأ أبى عشرات الكتب والمراجع حتى يكتبه، فكى يكتب قصة حوت يونس قرأ 20 كتابًا فى علوم البحار، ودرس حياة الحيتان وتفاصيلها العلمية ليصف مشاعر الحوت وإحساسه، والمدهش أن أحمد بهجت قرأ سنوات عديدة لإعداد هذا الكتاب وكتبه فى أيام قلائل وكأنه يملى عليه، وكذلك كتاب «أنبياء الله»، و«بحار الحب عند الصوفية»، «الله فى العقيدة الإسلامية»، «الوقوع فى هوى الكعبة»، ومعظم الكتب والمؤلفات العظيمة كتبها فى أيام قليلة ولكنه قرأ قبلها لسنوات فى القرآن والسير والتفاسير وكتب الأديان، وجمع فى مؤلفاته بين الأدب الساخر والتصوف والدين والقصص الإنسانية وأدب الرحلات، ومن الجوانب الصوفية فى حياة والدى حبه الشديد للكعبة وسفره الدائم لها، وكان ينام فى الحرم على الأرض ولا يحجز فندقا، ويعتقد اعتقادا شديدا أنه إذا سُقى إنسان أو حيوان فى الحرم، فإن الله أرسله إلى هذه الرحلة خصيصا لهذا الهدف، بل إنه خلقه من الأساس كى يسقى أو يطعم هذا الإنسان والحيوان.

 

حدثنا عن تجربة تحويل كتابى «أنبياء الله»، و«قصص الحيوان فى القرآن» إلى مسلسل كرتون دينى وعن استكمالك لباقى الأجزاء؟

 

- تحمس الأستاذ أشرف الملاخ أحد منتجى العمل لتحويل كتاب «قصص الحيوان فى القرآن» إلى مسلسل رسوم متحركة، وكان المفترض أن يكتب أحمد بهجت السيناريو والحوار، ولكنه أولانى هذا الشرف لأنه يعلم أننى أعشق الرسوم المتحركة منذ صغرى، وبعد وفاته استكملت 6 أجزاء من العمل، وعرضنا العمل على إدارة الدراما بالأزهر الشريف وأجازته، ولكن التجربة مع الأزهر عابها البطء الشديد، وأريد أن أوجه نداءً لشيخ الأزهر وعلمائه، فالدعوة لم تعد تصلح بالطريقة القديمة، ولكنها يجب أن تستفيد وتتعامل مع الدراما والإنترنت والسوشيال ميديا، وأقول لعلماء الأزهر أخرجوا إلى هذا العالم وضعوا علمكم الشريف فيه.