تم إلقاء الضوء من قبل عن الرمزية بوجه عام ورمزية المخرج العالمى «يوسف شاهين» فى أعماله بوجه خاص، وكيف أنه يحرر صورته السينمائية من وصاية فكرة المؤلف، وأنه يعمل على خطين خط القصة وخط الرمزية، حيث يصل بنا إلى ما يريد من خلال توصيف وتوظيف أدواته السينمائية، والأمثلة على ذلك كثيرة من خلال أعماله ألفنية.
لم يكن «يوسف شاهين» من مخرجى نقل الواقع، أو العرض مع عدم تقديم العرض والحلول، فهو يرفض دور الراوى، الذى لا يتأثر بما يروى أو يحاول اقحام رأيه، وفضل استخدام الواقع فى عرض وجهة نظره وأسلوبه السينمائى، واحد من أهم تلك الأمثلة كان فيلم «باب الحديد».
احتل «باب الحديد» المرتبة الرابعة بين أهم 100 فيلم سينمائى مصرى، وكانت القصة التى صاغها المؤلف تدور حول بائع جرائد صعيدى غير متزن، يعمل فى محطة قطار القاهرة، ويحب «هنومة» لدرجة الجنون، والتى جسدت دورها الفنانة الرائعة «هند رستم».
كانت «هنومة» تحب شخصا آخر، ويعمل بالمحطة أيضًا وفى طريقهما إلى الزواج، مما يصيب «قناوى» الذى جسد دوره «يوسف شاهين» وهو ما يدفعه حد الجنون والتصرفات الطائشة، هكذا تبدو القصة من الخارج، تشبه الحواديت والحكايات.
بدأ «شاهين» فى تجهيز أدواته ورؤيته، ليقدم لنا من خلال هذا العمل ثورة المنبوذين والمهمشين، خلال شريحة متكاملة من محطة مصر لها ضوابطها وقوانينها، وقدم ذلك على لسان الراوى «عم مدبولى»، وهو كان بائعا له موهبة فى المراقبة والرصد والسرد بموضوعية، قدم قناوى وعبر عن إعاقته من خلال جملة رائعة عندما وجده على الرصيف «جيت أمشى لقيته أعرج.. صعب عليا».
قدم لنا الراوى أشخاصا حقيقين وهاجم المجتمع، الذى يعاير العاجز ويهينه بشكل غير مباشر، ومساهمته الكبيرة فى تحوله النفسى نحو الجريمة بسبب الازدراء الموجه لقناوى وعدم وصوله لهدف، كان هذا العمل بمثابة أداة ليوسف شاهين، أراد به أن يرينا كيف يجعل المجتمع مجرمًا.
قدم ذلك المعنى من خلال أحد مشاهد الفيلم ما بين «قناوى» و«هنومة» أمام تمثال رمسيس، عندما جلست بمستوى أعلى منه، تنظر إليه بجانب عينيها كأنها لا تعيره اهتمامًا، فى حين أنه كان ينظر إليها بوجهه كاملًا، يعبر لها عن حبه ويقدم لها قلادة هدية الخطوبة، يضحكان ضحكات عميقة، إلا إنها أكدت له قرب زواجها من أبو سريع.