من يستمع لعشرات من قصائد الحب والغزل والرومانسية للملقب بشاعر "القلوب" نزار قباني، يظن أنه كان يغرق في حياة ملأها السعادة والحب والرفاهية، حياة بسيطة لا يوجد بها مكان للمشاكل ولا العقبات، لكن شاعرنا الذي تحل اليوم 30 إبريل، الذكرى الـ19 لوفاته، تعرض للعديد من المآسي تدمي لها العيون والقلوب، لكن بصبر وثبات كان يواصل تقديمه للشعر والقصائد الرائعة.
في طفولته المبكرة، صادف نزار حب أمه ورعاية أبيه، إلا أن أسرة محافظة كالتي نشأ بينها "قباني" تسببت فيانتحار شقيقته "وصال" في طفولته، بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبّه، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه، وربَّما ساعد في صياغة فلسفته العشقيّة لاحقًا ومفهومه عن صراع المرأة لتحقيق ذاتها وأنوثتها.
ولم يكشف "نزار" عن حقيقة هذه الحادثة بل قال إنها توفيت بمرض القلب، إلا أن كوليت خوري حبيبته الثانية كشفت قصة الانتحار، وقالت إن القصة المشاعة ان أهلها أجبروها على الزواج من شخص لم تكن تحبه ليست صحيحة، بل الحقيقة أن الشخص الذي أحبته "وصال" تركها وتزوج غيرها، وهو ما ثبت لاحقًا في مذكراته الخاصة بقوله: صورة أختي وهي تموت من أجل الحُبّ محفورة في لحمي، كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدويّة.
كما لخصت "كوليت خوري" مآسي "نزار" أثناء استضافتها بفضائية لبنانية، فضلا عن انتحار "وصال" وهي في ريعان شبابها، بموت آخر لمدينتين أحبهما نزار حباً شديداً هما دمشق وبيروت، فعندما كان يعود إلى دمشق بين حين وآخر، وبعد تعيينه في السلك الخارجي لبلاده، كانت الشام التي يراها هي غير الشام التي كان يعرفها زمن المدرسة والجامعة، لذلك فضّل الإقامة فيها فيما بعد.
تزوج نزار مرّتين، زوجته الأولى كانت ابنة خاله "زهراء آقبيق" وأنجب منها هدباء، وتوفيق، وتوفيّ توفيق عام 1973 وكان طالباً بكلية طب جامعة القاهرة في السنة الخامسة، ونعاه نزار بقصيدة "الأمير الدمشقي توفيق قباني".
وكان زواجه الثاني من إمرأة عراقيّة الأصل تُدعى" بلقيس الراوي" التقى بها في أمسية شعريّة في بغداد، ظل يتقدم لأهلها لخطبتها على مدار 7 سنوات وكان أهلها يرفضونه كونه شاعر ومتعدد العلاقات النسائية ولفارق السن بينهما وقتها وبعد صراع ليكتمل زواجما، لقيت "بلقيس" حتفها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية في حادث انتحاري استهدف السفارة العراقيّة في بيروت حيث كانت تعمل عام 1982، ورثاها نزار بقصيدته الشهيرة "بلقيس" التي قال فيها أن الجميع كان لهم دورٌ بقتلها، و أنجب منها ابنيه عمر وزينب.
واكتملت مآسي نزار عام 1997 حيث كان يعاني من تردي في وضعه الصحي وبعد عدة أشهر توفي في 30 أبريل 1998 عن عمر ناهز 75 عامًا في لندن، بسبب أزمة قلبية.
في وصيته التي كتبها عندما كان في المستشفى بلندن أوصى بأن يتم دفنه في دمشق التي وصفها في وصيته بالرحم الذي علمه الشعر الذى علمه الإبداع.
تم دفن قباني في دمشق بعد أربعة أيام من وفاته، حيث دفن في باب الصغير بعد جنازة حاشدة شارك فيها مختلف أطياف المجتمع السوري إلى جانب فنانين ومثقفين سوريين وعرب.