وكانت الأسر والعائلات الكبيرة تحرص على الاستعانة بكبار المطربين لإحياء هذه الأفراح، وكانت منيرة المهدية التى ولدت عام 1885 من أشهر وأكبر مطربى عصرها، وأول سيدة فى مصر والوطن العربى تقف على خشبة المسرح وتُسجَّل لها أسطوانات، وكانت تلقّب باسم سلطانة الطرب.
وفى تسجيل صوتى نادر يعود إلى عام 1925، سجلت شركة بيضافون للأسطوانات حفل زفاف لأحد أمراء العائلة الخديوية، أحيته سلطانة الطرب منيرة المهدية.
وخلال التسجيل تزف منيرة المهدية العروس بأغنية اتمخترى يا حلوة يا زينة يا وردة من جوة جنينة.. اتمخترى وتعالى جنبى يا حلوة فى البدلة البمبى، يا عود قرنفل يا الافندى والورد ضلل علينا".
ويتبع منيرة المهدية كورال من الرجال والنساء وزغاريد الاهالى، بينما تردد سلطانة الطرب بين الحين والآخر عبارات: "العاشق فى جمال النبى يصلى عليه.. اسم الله على قوامك.. صلوا عالنبى يا ستات.. ملح فى عين اللى ما يصلى على النبى يا ستات"، كما تطالب النساء المدعوات بأن يوسعن طريقا للعروس، وتشجع السيدات اللاتى يزغردن قائلة: "اسم الله على بوقك يا عينيا"، وتضحك قائلة: "وسعوا السكة يا ستات العريس طالع، اضرب سلام ياجدع العريس طالع، عقبال البكارى يا ستات".
ولدت فى المهدية مركز ههيا التابع لمحافظة الشرقية فى مصر، وتوفى والدها وهى صغيرة وتولت شقيقتها رعايتها.
بدأت منيرة المهدية حياتها الفنية كمطربة تحيى الليالى والحفلات فى مدينة الزقازيق، وذات يوم شاهدها أحد أصحاب المقاهى الصغيرة فى القاهرة، فأُعجب بجمال صوتها، واستطاع إقناعها بالسفر إلى القاهرة عام 1905.
وفى القاهرة ذاع صيتها ولُقبت بسلطانة الطرب، وافتتحت ملهى خاصًّا بها أطلقت عليه اسم «نزهة النفوس»، تحول إلى ملتقى رجال الفكر والسياسة والصحافة، بفضل ما كانت تتمتع به من شخصية قوية وقيادية، وفى صيف 1915 وقفت منيرة المهدية على خشبة المسرح مع فرقة عزيز عيد، لتؤدى دور «حسن» فى رواية للشيخ سلامة حجازى، فكانت بذلك أول سيدة مصرية تقف على خشبة المسرح، وهذا ما زاد الإقبال على المسرحيات، وأصبحت فرقة عزيز عيد تنافس فرقة سلامة حجازى.
قامت سنة 1919 بجولة فنيّة دامت 3 سنوات، قدّمت خلالها حفلات غنائية فى بلاد عديدة، لبنان والعراق وسوريا وتركيا وإيران وفلسطين وليبيا وتونس والمغرب.
ونظرًا للشُّهرة التى تمتعت بها منيرة المهدية فى سوريا قررت إحدى شركات الدُخان أنّ تطبع صورة منيرة على باكيتات السجائر، وأطلقت عليه «دُخان منيرة».
وتوفيت المهدية فى 11 مارس 1965 عن عمر يناهز الثمانين عاما، بعد حياة فنية حافلة امتدت إلى ما يزيد على خمسين عاما.