"أحب أشكركو بجد.. طاقتكو دى وحماسكو ده هما اللى بيدونا سبب نكمل".. آثر باسم درويش أن تكون هذه الكلمات البسيطة بمثابة خطبة وداعه للجمهور الأقرب لقلبه، ويضع بها مسك ختام آخر محطات رحلته الموسيقية فى مصر، وداع "إلى أمل لقاء قريب"، قالها واختلطت تعابير الفرحة والأسى على محياه، بين زلزلة قلبه ببهجة "هتافات الحضور" فى وصلة تصفيق استمرت دقيقة كاملة خلال تحية الفرقة وقف فيها الجميع احترامًا لما سمعوه من فن راقٍ، وبين "لمعة شوق" مبكرة ظهرت فى عينيه وكأنه يشعر أن تلك اللحظة "لحظة فراق".
مشهد ختام رحلة الفرقة الألمانية الأصل مصرية الهوى والمحتوى كايرو ستيبس فى آخر حفلات جولتها الموسيقية الجديدة فى أم الدنيا، بعد بدايتها فى أوبرا إسكندرية وبعدها أوبرا دمنهور، ألقى خلالها مؤسسها الموسيقى المصرى وعازف العود باسم درويش خطاب الوداع ذاك من فوق خشبة أكبر مسارح القاهرة وأعرقها، دار الأوبرا المصرية، بعدما خطف آلاف الحضور ممن ملأوا قاعة المسرح الكبير عن بكرة أبيه بالكامل، دون وجود أى "كرسى فاضي" وتمكن من حمل لافتة "كومبليت" قبل موعد الحفل بأسبوعين، فى رحلة سريعة إلى ملكوت الجاز الصوفي، عبر ليستة مقطوعات موسيقية تخطت الـ16 تراك، حملت فى جعبتها أربعة مفاجآت، وثلاثة لقطات آسرة لا يمكن تناسيها.
البداية مع "خطفة نوستالجيا" أسرت بها كايرو ستيبس قلوب الحضور بتأدية مقطوعة "من أول لمسة" إحدى روائع الكينج محمد منير وأقدمها، وأعادت إحيائها بشكل موسيقى نثر عبق الحنين والشوق فى أرجاء المكان بعد افتتاح الحفل بمقطوعة "الكهف"، واتبعتها بأشهر أعمالها عنبر"، والتى صاحبتها أولى مفاجآت الحفلة بظهور آسر للدكتورة إيناس عبد الدايم، رئيس الدار، بمشاركتها فى عزف الفلوت، لكن وسط "رفرفة" القلوب من سعادة إطلالتها على المسرح، تحولت الفرحة العارمة إلى "خضة" مفاجئة عليها بعد تعرضها لإصابة بالغة نتيجة "وقعة" مؤلمة، وكسر فيها الفلوت الخاص بها، ورغم الوجع والصدمة، رفضت أن تغادر الحفل دون أن تروى عطش الحضور برشفات من إبداع عزفها، لتقرر العودة من جديد إلى المسرح واستكمال ظهورها الخاص، وظلت تصارع ألمها طوال أكثر من ساعة زمن، أخذت فيها الحضور إلى ملكوت من الهدوء النفسى المصاحب لتعاويذ سحر "الفلوت".
"وقفة جماعية للحضور، ووصلة تصفيق تجاوزت الدقيقة والنصف"، أعقبت إطلالة ملاك دار الأوبرا المصرية، رافقتها هتافات المحبة "بنحبك يا دكتورة" و"ألف سلامة عليكى"، لتتحول كل مشاعر القلق والخوف عليها إلى فيضان من البهجة والسعادة العارمة خلقتها الحالة الموسيقية الاستثنائية لكايرو ستيبس، في تأدية روائع "شمس" ورقصة عربية" وصولًا إلى الظهور اللايف الأول لأجدد أعمال الفريق "سلمى"، والتى أسدلت بها الفرقة ستار النصف الأول من الحفل، أعقبتها برقصات الحضور الإجبارية على وقع إيقاعات مقطوعة "خليجى ستيبس".
أكثر تراكات كايرو ستيبس ألفة بدأت بها الفرقة الألمانية النصف الأخير من السهرة مع مقطوعة "أرابيسكان"، مصحوبة بكبرى مفاجآت الحفلة بالظهور غير المتوقع للمطرب علي الهلباوي، في تأديتها، والذي أصر خلع عباءة "الضيف" وسط الحضور إلى ارتدائه بذلة "النجومية" لإشباع رغبة المستمعين بصوته، متبوعة بخلطة شعورية بين الحنين والأمل في حالة مقطوعة "ذكريات"، حتى حانت اللحظة لرابع لقطات الحفل سحرًا، بالظهور الخاطف للشيخ إيهاب يونس والذي أعاد إحياء رائعة "جينوسيان" بمزيج بين الجاز والموسيقى الكلاسيكية واضعًا عليها بضع تعاويذ من سحر الأداء الابتهالي والصوفية على طريقته مع كلمات ابتهال "يا مالكًا قدري وقدرك لا يدركه سواك"، ليعيد أذهان آلاف الحضور إلى سنة مضت على الظهور الأول له مع الفرقة، عندما خطف من نفس المكان قلوب الملايين من الجمهورعلى منصات السوشيال ميديا عقب انتشار فيديو بسيط لتلك المقطوعة، متبوعة بثالث مفاجآت "كايرو ستيبس" بتقديم مقطوعة "كشري" للمرة الأولى لايف، إحدى مفاجآت ألبوم الفرقة الجديد المقرر ظهوربشائره الأولية للنور مع نهاية العام المقبل.
وكالعادة كل عام، منذ أربع سنوات، فى ختام كل حفلة من حفلات الفرقة الألمانية المصرية فى مصر، أن يتم وضع مسك الختام عبر مقطوعة "رقصة النيل" أقرب تراكات الفريق إلى قلب مؤسسها، والذى يفضل دومًا أن يحكى حكايتها، إذ تذكره بطفولته وتجسد حبه الكبير لمصر وتظل المقطوعة الرئيسية فى معظم حفلاته العالمية فى أنحاء أوروبا، حيث تجمع الشوق للوطن مع الحنين لأيام زمان، مع تجسيد لروح الموسيقى الشرقية المصرية، ليتم إسدال الستار على ثالث حفلات جولة الفرقة الجديدة وربما الأخيرة إلى مصر بمشهد تقشعر له الأبدان من "هول" حالته السماعية، جمع على المسرح الهلباوى والشيخ إيهاب والدكتورة إيناس فى المقدمة، مع ثنائى الفيولين العالميات أنجيليكا وماريا وفى الجانب الآخر الظهور الأول لعازف الربابة الريس عصام المكسور، وفى المنتصف يقف بكل ثقة باسم درويش وخلفه عازف الإيقاع ماكس والجيتار شتيفان، وعلى جناحيه، نفحسات آلات النفخ مع ساكسفون وولفجانج وناى رغيد، والآخر هزات الوتر مع تشيلو جان وكمانجات شيرين وأمير وقانون راجى واجتمع الكل فى تأدية رائعة الفرقة "سيوة"، ليودعوا الحضور بصورة جماعية، نأمل ألا تكون "صورتهم الجماعية الأخيرة فى مصر".