«كنت على موعد للحديث فى سهرة بالتليفزيون المصرى عن الفنان محمد رشدى يوم 6 مايو –مثل هذا اليوم- 2005.. بعد رحيله بأربعة أيام.. كان الموسيقار حلمى بكر ضمن الضيوف، وقبل أن ندخل الاستوديو، تدفقت أحاديث الذكريات بيننا.. تحدث هو من واقع علاقته الفنية برشدى التى بدأت بأغنية «ياحسن يامغنواتي» ثم أغنية «ولا ياولا ياعرباوى/ ارمى بياضك خط الأناوى/ وإن كنت شارى ياأدهم زمانك م المهر مركب وانت معداوى».. وتحدثت أنا من واقع ما بحوزتى من مذكرات سجلتها معه فى لقاءاتنا.
وجه «بكر» وكعادته فى حديثى معه قذائفه الغاضبة إلى الواقع الثقافى والفنى الذى لا يعجبه، وكانت مقارنة الماضى بالحاضر مطروحة، وفيها نموذج الجدل الذى احتدم بعد انطلاقة محمد رشدى الغنائية منذ موال أدهم.. روى «رشدى» لى كل ذلك.. قال: «أصبح لى سند وضهر ثقافى وفنى، كان رجاء النقاش سندا كبيرا وعظيما، والكاتب الصحفى محمود سالم، والروائى صالح مرسى، والكاتب الصحفى صلاح حافظ، وقبل هؤلاء كانت صداقتى مع الروائى محمد جلال..عرضت أغنيتي «ياحسن يامغنواتي» على محمود سالم،فقال لى: «بليغ يعطيك وحلمى يأخذ منك».. وقال رجاء النقاش عن عرباوى: «مدفع سريع الطلقات».
بنجاح «بكر» و«أبوعتمان» أصبح مثلث هذا اللون من الغناء فيه ضلعين جديدين، بالإضافة إلى الضلع الثالث الثابت محمد رشدى، وفى الضفة الأخرى كان هناك مثلث أضلاعه «عبدالحليم حافظ، الأبنودى، بليغ»..أصبح الجديد الذى يقدمه «رشدى» و«عبدالحليم» مادة مثيرة للجدل.. يتذكر«رشدى»: «طرح البعض سؤالا: هل محمد رشدى مطرب ثورى أم لا؟.. انقسمت الآراء، غير أن المعظم اتفق على أنه لوكنت مطربا غير ثوريا فعلى الأقل أقدم أغانى ثورية.. قال كمال الطويل: لابد أن يعترف الجميع أن عبدالحليم ورشدى يقودان الآن مسيرة الغناء، ولكل منهما لونه».
أمدنى رشدى بقصاصات من أرشيفه فيها.. مجلة صباح الخير 25 أغسطس 1966، وهو على غلافها، وبداخلها مقال «محلا الدنيا بالغنا» كتبه «حسن فؤاد».. قال فيه: «أصبح المطرب محمد رشدى الرجل الذى يصنع الأخبار للصحف والمجلات، قالت الصحف إن المطرب محمد رشدى سيغنى للناس فى الشوارع أثناء الاحتفالات بالعيد الرابع عشر للثورة «23 يوليو 1952»، وذكرت الصحف والمجلات بالصورة وبالكلمة أنباء غناء محمد رشدى فوق توربينة السد العالى عند الوصول إلى القاهرة، وهذه المشاركة تدل على أنه يريد أن يقدم للناس شيئا غير ما ألفوه وتعودوا عليه، يريد أن يذهب إلى الناس ويغنى لهم».
يواصل فؤاد: «شعبنا يحب الغناء والطرب، ولقد أقبل على صوت محمد رشدى الذى يتميز بالقوة والحياة، وإذا كان رشدى يريد أن ينطلق من هذه النقطة نحو الالتحام بالجماهير فإنها نقطة بداية طيبة تحتاج إلى رعاية وتنظيم وتنسيق، ولعل أمانة الاتحاد الاشتراكى تستطيع أن تتبنى هذه الفكرة التى بدأها رشدى حتى تستطيع أن تعمل ونحن نغنى، ونبنى ونحن نغنى».. أما إحسان عبد القدوس فقال: «محمد رشدى علامة انتقال إلى مرحلة فنية جديدة، أشبه بالانتقال من عصر الترجمة والتعريب إلى عصر اكتمال الشخصية الشعبية الفنية، ورغم نجاح محمد رشدى فهو أو اللون الذى يقدمه مجرد بداية لا يمكن أن تستمر إلا بمجهود كبير للارتقاء بها».
وكتب صالح مرسى فى الكواكب: «فى مصر عدد هائل من المطربين قليلهم يطرب حقا، أصواتهم مميزة فيها حلاوة وطلاوة وأصلة معدن، ومحمد رشدى واحد من هذا القليل الذى يطرب حقا، لأن صوت رشدى فيه رائحة الحارة المصرية، وما من مرة سمعت رشدى إلا وتذكرت مطرب حارتنا الذى طالما أشجانا بصوته تحت عمود النور فى ليالى الصيف، هذه ميزة شديدة الخصوبة لوعرف رشدى كيف يستغلها»
وكتب «سعد الدين وهبة» فى مجلة المصور (20 مايو 1966): «محمد رشدى هو مطرب 1966 فقد حقق نجاحا صاروخيا بأغنياته الشعبية الجديدة، ولكن الإذاعة مسئولة عن توجيهاته ومسئولة عن رفع مستواه الفنى بإعطائه أغنيات جديدة النظم، وجيدة التلحين»..على الضفة الأخرى شن أنيس منصور هجوما ساخرا، قال فيه، إنه مندهش جدا من الدعاية التى أحاطت بهذا المطرب، مع أنه عندما رآه لم يعجبه شكله ولا ابتسامته البلهاء،ولا كرافته، ولا الأغنية التى يقول فيها: «تحت السجر ياما كلنا برتقان، لأن البرتقان الذى يؤكله تحت الشجر يكون مسروقا».
لم يسلم «أنيس»، فكتب صلاح حافظ فى «آخر ساعة» يوم 3 أغسطس 1966: «لا شك أن أنيس كاتب ظريف، ولكن المشكلة أنه لم يكن يسخر من محمد رشدى بقدر ما كان يسخر من القارئ، أليس غريبا وأنيس منصور يعيش فى قلب هذه السوق ألا تستفزه إلا الدعاية المجانية لشاب مخلص مجتهد بينما عن اليمين وعن الشمال دعايات مدفوعة الثمن لكثيرين جدا ممن لا مواهب لهم ولا ثقافة ولا حتى مجرد فضائل، إن الأمراض التى نخجل منها فى حياتنا الفنية والتى يكرهها أنيس منصور كما أعلم لم تدخل عن طريق محمد رشدى، إن الدعايات التى تستحق السخرية ليست تلك التى يشجع بها بعض الناس محمد رشدى».